مصر.. دفء مع موسكو وبرود مع واشنطن
بدت زيارة وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي إلى موسكو كرسالة تؤكد على عزم مصر على تنويع مصادر سلاحها ومراكز دعمها السياسي وعدم الاعتماد على واشنطن كحليف أوحد بعد الفتور الذي أصاب العلاقات المصرية الأميركية جراء الموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة من قيام الجيش المصري بعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي في يوليو الماضي.
وجاءت أولى نتائج هذه الزيارة مباشرة على الصعيد السياسي حيث حصل السيسي على دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لترشحه للانتخابات الرئاسية المتوقع إجراؤها بعد أسابيع.
وقال بوتن، الخميس في ثاني أيام الزيارة، موجها حديثه للسيسي “أعرف أنكم اتخذتم قرار الترشح للانتخابات الرئاسية في مصر. إنه قرار مسؤول جدا، أتمنى لكم باسمي واسم الشعب الروسي النجاح”.
وأضاف بوتن “إن استقرار الوضع في كل الشرق الأوسط يعتمد إلى حد كبير على الاستقرار في مصر. أنا مقتنع أنه مع خبرتكم ستنجحون في تعبئة مناصريكم وإقامة علاقات مع كل شرائح المجتمع المصري”.
هذا ولم يعلن السيسي بشكل مؤكد ترشحه للرئاسة ولكن تسريبات نقلت عنه رشحت من لقاءاته مع مسؤولين وإعلاميين تشير إلى أن المشير الذي يحظى بشعبية بين قطاع كبير من المصريين، سيخوض سباق الرئاسة المقبل.
وزيارة السيسي لموسكو، هي الأولى لرجل مصر القوي لخارج البلاد منذ قيامه بإقصاء مرسي في 3 يوليو الماضي بعد مظاهرات شعبية واسعة طالبت برحيل الرئيس المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين.
ووصل السيسي إلى موسكو الأربعاء برفقة وزير الخارجية المصري نبيل فهمي، لعقد لقاء مع نظيريهما الروسيين للتفاوض على صفقة أسلحة بقيمة ملياري دولار يفترض أن تعوض عن تعليق واشنطن بعض مساعداتها العسكرية لمصر.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الدفاع سيرغي شويغو قاما بزيارة تاريخية إلى القاهرة في نوفمبر بهدف إعادة إحياء العلاقات التي كانت تراوح مكانها منذ الحقبة السوفيتية، في وقت تنامت العلاقات مع واشنطن.
وقد صرح السيسي في مستهل لقاء الخميس في موسكو أن زيارته تعطي انطلاقة جديدة لتطوير “التعاون العسكري والتكنولوجي بين مصر وروسيا”، مضيفا “نأمل في تسريع هذا التعاون”.
وكان الاتحاد السوفياتي أبرز مزود للأسلحة لمصر في الستينيات ومطلع السبعينيات. لكن التعاون بين الطرفين تراجع بعدما وقعت مصر وإسرائيل معاهدة سلام وبدأت القاهرة تتلقى مساعدات كبرى من الولايات المتحدة.
وزودت الولايات المتحدة الجيش المصري مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات منذ التوقيع في 1979 على اتفاق السلام مع إسرائيل، بهدف ضمان تطبيق الاتفاق وإعطائها الأولوية في عبور قناة السويس ودعم أكبر بلد عربي لدوره الفاعل في “الحرب على الإرهاب” التي تخوضها واشنطن.
لكن بعد أشهر من التردد، أعلنت الولايات المتحدة رسميا في 10 أكتوبر تجميد جزء من مساعدتها لمصر بعد أن أثارت الحكومة التي شكلها السيسي غضبها إثر قيامها بفض اعتصامات أنصار مرسي بالقوة ومقتل المئات أثناء هذه العملية.
وفي أول رد فعل أميركي على الزيارة، قالت نائب المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف، إن “دولاً كثيرة ترغب بإقامة علاقات مع مصر”.
وسئلت هارف، إن كانت أميركا قلقة من أي تقارب بين مصر وروسيا، فأجابت “نحن نعلم أن دولاً كثيرة مهتمة بمصر، وتريد إقامة علاقات معها”.
وأضافت “لن أقول إن كانت سيئة أو إيجابية، وسأنظر في تفاصيل هذه الزيارة وأرى إن كانت لدينا أية تفاصيل إضافية في هذا الصدد”.
وعندما أشار الصحفيون إليها أن هذه هي أول زيارة للسيسي إلى روسيا وأنه “سيصبح رئيس مصر المستقبلي”، أجابت هارف “لا أعتقد أننا نعرف ما ستكون النتيجة في مصر عندما تمضي العملية الانتقالية السياسية قدماً بعد الحكومة الانتقالية، ولا أعتقد أنه أعلن عن ترشحه بعد”.
وأكدت هارف توقيف أحد الموظفين المحليين في السفارة الأميركية بمصر في 25 يناير الماضي، مشيرة إلى أن “التواصل مستمر مع الحكومة المصرية سعياً وراء معلومات إضافية”.
وتعليقاً على ما يتردد عن أنه اعتقل لارتباطه بـالإخوان المسلمين، أكدت أن واشنطن لم تصنف الجماعة على أنها “منظمة إرهابية”، كما تعتبرها القاهرة الأن، مضيفة أن بلادها تتواصل مع كل الأطراف المصرية سعياً وراء حكومة تشمل كل الأطراف في مصر وهذا يشمل “الإخوان المسلمين”.
وسئلت إن كان ثمة تواصل دائم مع الجماعة لمناقشة الوضع السياسي في مصر، فأجابت “بالتأكيد”.
ومن جانبها قللت السفيرة الأمريكية السابقة لدى القاهرة آن باترسون، من أهمية انفتاح القاهرة على موسكو، قائلة “من وجهة نظري فإن ما يسمى انتصارات روسيا في مصر مبالغ فيه”.
وأضافت “لدينا علاقة قوية وطويلة على الصعيد العسكري، وهناك بعض الأسلحة الروسية المتبقية منذ عقود وزيارات لمسؤولين روس، ولكن هذا لا يعنى أن روسيا تنافس الولايات المتحدة في مصر”.