مجتمع

من ديوان البديّح.. الدكتور سعود العجمي: تحقيق الأمن الفكري للمجتمع يساعد على انتشار الأمن

جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها د. سعود حسن العجمي ونظمها مركز تعزيز الوسطية في ديوان البديح بمنطقة الفنطاس تحت عنوان “الحوار الهادف والتطرف الفكري”.
وقال العجمي: إذا عدم الأمن فلن يستلذ الإنسان ولو نام على أفضل الفرش وأكل أفضل الأطعمة، وهذا أمر في القرآن والسنة (رب اجعل هذا البلد آمنا وارزقه من الثمرات) فقدم الأم ثم أردف بعد الأمن الثمرات، فلا طعم لزينة الدنيا من غير وجود الأمن، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم بين قيمة الأمن للمسلم، وأنه إذا تحصل على الأمن فكأنه ظفر بهذه الدنيا، فقال: ” من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا”، وذلك فإن الانحراف الفكري ضد هذه الكلمة، وتعرف المسميات بأضدادها، فالأمن الفكري ضد الانحراف الفكري، وإذا أصبح هناك حماية من الهوية الثقافية من الانحراف وسيطرة الخارج، وحمى الإنسان عقله من الانحراف الفكري والعقائدي، وتم صيانة المؤسسات الداخلية من الانحراف، كان لهذا الأمن أن يتحقق.
فهذه التصرفات والأفعال تنطلق من الرصيد الفكري والعقائدي لأي إنسان، ونحن نعيش في هذا الزمن ونرى الكم الهائل من وسائل تعدد الغزو الثقافي وكذلك الفكري، إضافة إلى انتشار البث الفضائي المرئي  والمسموع والنت وووسائل التواصل مما أوجد أرضا خصبا لبث السموم في عقول أبنائنا، وهذا أعطانا تحديا كبيرا في التربية، فإن لم تكن فذا، فقد ينهدم كل ما بنيته.
تحقيق الأمن افكري في الفرد والمجتمع يساعد على انتشار الأمن، ويجب علينا أن نحتاط ونحافظ على الفكر والمخزون الفكري لأن ذلك حفاظ على أمن عقيدتنا وأمن فكرنا، وهناك من يريد إبعادنا عن جادة الصواب إلى الانحراف، وكذلك فكر الإنسان إن لم يكن مستقيما أصابه الانحراف، ولذلك لا يمكن القبول بالمساس بالأمن الفكري إطلاقا، لأن حجم مخاطر المس بهذا الفكر تتعدى كل المخاطر، ولذلك نرى بعض دول الجوار وحجم المشكلة التي وقعوا بها، فكل فتنة تحدث في أي بلد، وكل مصيبة وفوضى أنظر إلى الفكر الذي غذى مثل هذه الفتنة.
فلا ننظر إلى المنتحر كيف انتحر، ولا إلى من لبس الحزام الناسف كيف نسف، وإنما ننظر إلى الوقود الذي أثمر مثل هذه  التصرفات، وإلى السلوك الذي أدى، وتلك الجوارح التي أدت بالإنسان إلى موطن الانتحار والتفجير، نرى من ورائها فكرا، لاسيما من قتل ابن عمه، وقال والده: كانلا يرد لسلام، إذن، كان يعيش في عزلة شعورية.
وتحدث عن أهم مصادر الانحراف الفكري، وهو المواقع المشبوهة ووسائل التواصل المتطرفة في الإنترنت، ولو نظرنا إلى تاريخ ومراحل التي مرت بها التنظيمات المتطرفة من خلال تعاملهم مع النت، لم يكن في السابق في أدبيات الجماعات المتطرفة التواصل عن طريق الأنترنت، بل كان التواصل تقليديا من خلال الجلوس المباشر مع المنظر أو من خلال شرائط الكاسيت، وكان باستطاعة الدول أن تخرس تلك الأصوات، ولكن بع\د أن ظهرت الإيميلات والتواصل مع الجماعيات المتطرفة في سنة ١٩٩٥ ظهر موقع الجهاد وخرج فيه أبجديات وفكر تفكير الأفراد والمجتمعات ونشر الغلو والتطرف في المجتمعات.
وانتشر موقع الجهاد والهجرة، وفي بداية الالفية الثانية تم إنشاء أول موقع للقاعدة، بعد محاولات فاشلة، وأصبح ينشر هذا الفكر المنحرف، مشيرا إلى أن وسائل التواصل هي أسرع وسيلة فتكفر الأفراد والحكومات، وفي السابق كان الواحد يحتاج إلى السفر، والآن الفكر موجود وأنت في بيتك، وهذه الكارثة.
وكان أيمن الظواهري يقول: أكثر من نصف ساحتنا في الساحة الإعلامية والأإلكترونية، بل كان ينصح أعوانه: بأن كل لقطة تلتقطونها بمثابة صاروخ على أعدائنا، فأصبح نشر الصور وسرعة التواصل جعلنا نعيش في قرية واحدة، مما أعطى الأمر خطورة أكثر، لافتا إلى أن الجماعات المتطرفة في استخدامهم وسائل التواصل أهداف مهمة من أهمها: أن تلك الوسائل تحقق التجنيد الإلكتروني، وفي السابق كان من يريد اعتناق الفكر المتطروف وينبذ المجتمع، عليه أن يهاجر ويجلس مع المنظرين، أما الآن كل في بلده ودولته ومحيطه وبيته، بل كل في غرفته، فهذه خطورة كبيرة، فالفيسبوك مثلا هو ا لموقع رقم ١ في التواصل بين الجماعات المتطرفة من خلال القروبات بعد أن يكون هناك تمحيص.
التجنيد الالكتروني يكون بولادة الانتحاري، بعد أن يخوض غمار حوارات عديدة حتى تم استغلاله فتمت ولادته، وغالبا من يعيش بهذا الجو يعيش حالة من الضياع والتفكك، فيهرب إلى وسائل التواصل فيضيف من يشاء من الأصدقاء ويجدون فيه فريسة سمينة لأنه يكون جاهزا.
علينا أن نحرص في هذا الزمن على معرفة الشعارات وخبايا تلك الأفكار التي يتم إرسالها إلى الأولاد، ومنهم من لا يتجاوز عمرهم ١٤ سنة.
من أهدافهم في وسائل التواصل التي تعتبر ساحة افتراضية للتدريب، فبعد أن يكون هناك انتماء فكري وتعاطف، يعملون على التدريب ويرسلون الحصص التدريبية له، والهدف الثالث أن وسائل التواصل عبارة عن دعم معنوي لتلك الجماعات المتطرفة، فقد رأينا عندما أعلنت دولة العراق والشام والدعوة إلى خلافة الأمير أبو بكر البغدادي، صار الناس في العالم يرسلون البيعة، والهدف من إرسالها الدعم المعنوي، و العجيب أن القنوات تنقل مثل هذه الدعوات،  وقد تكون قليلة، لكن عندما تنشر على وسائل التواصل يظن الكثيرون أن الجميع بايعوا الأمير، مما يعطي زخما معنويا لهذه الجماعات.
وأضاف أن وسائل التواصل تمكنهم من نشر الصور والمقاطع إلى من يريدون ومن لا يريدون، وأن هذه الوسائل للجميع ليست لفئة دون فئة، والجميع يستقبل ما في الوسائل التواصلية من غث وسمين، والمعلومة تنشر للآلاف أو لمئات الآلاف، كما أن وسائل التواصل لا تحتاج أموالا، وكانت الجماعات تقيم المعسكرات والتدريب، والآن أصبح كل شيء سهلا، ومن أخطر الأمور أن يأخذ الإنسان دينه من مواقع التواصل، حتى أنها عملت على التحدي في الفتوى الشرعية.
ولفت إلى أن من مظاهر انحراف الفكر رفض السمع والطاعة لولي الأمر، وهو أمر زلت فيه أفهام وحصل بسبب عدم السمع والطاعة لولي الأمر الفتن والحروب والفوضى وذهاب الحقوق، ولو نظرنا إلى حال العرب قبل الإسلام حيث كانوا في جاهلية، وعندما أتى الإسلام نظم أحكام الولاية وأعطاها قدرها وأهميتها، فأمنوا على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، فعاشوا بسلام واطمئنان.
وقال صلى الله عليه وسلم “عليك بالسمع والطاعة في منشطك ومكرهك وعسرك ويسرك وأثرة عليك”، قال النووي: لو استأثر ولي الأمر بأمور الدنيا لنفسه فعليك السمع والطاعة. وقال صلى الله عليه وسلم “عليكم بالسمع والطاعة فإن لهم ما حملوا وعليكم ما حمّلتم” أي ينبغي على ولي الأمر أن يقيم العدل فيثاب، وإن لم يقمه أثم، وأما أنتم فعليكم السمع والطاعة فإذا أقمتم السمع والطاعة أثبتم، وإن لم تقيموها أثمتم.
وقال العرباض بن سارية “وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقال يا رسول الله كأنها وصية مودع فأوصنا فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولي عليكم …. إلى آخره. ”
ودعا إلى نشر ثقافة الحوار الهادف في بيوتنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى