فرنسا: الأولوية ما زالت قراراً دولياً في شأن سورية

قال وزير خارجية فرنسا جان مارك إرولت اليوم (الخميس) إن باريس لا تزال تسعى إلى استصدار قرار من مجلس الأمن في شأن سورية، مضيفاً أن المفاوضات الديبلوماسية لها الأولوية على أي عمل عسكري.
وأثار هجوم يعتقد أن النظام السوري شنه بأسلحة كيماوية في محافظة إدلب، التي تسيطر عليها المعارضة، هذا الأسبوع انتقادات دولية واسعة حتى من الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وتسبب الهجوم في مقتل 70 على الأقل.
وقال إرولت لتلفزيون «سي نيوز» إن «فرنسا لا تزال تسعى إلى الحديث مع شركائها في مجلس الأمن خصوصاً الأعضاء الدائمين وخصوصاً روسيا». وقال ترامب أول من أمس إن حكومة الرئيس بشار الأسد «تجاوزت خطاً أحمر» بهجوم الغاز السام على المدنيين لكنه لم يكشف عن تفاصيل الإجراء الذي قد يتخذه.
وحذرت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي من أن الدول قد «تجد نفسها مضطرة للتحرك».
ورداً على سؤال عما إذا كانت فرنسا ستنضم إلى أي عمل عسكري محتمل في شأن سورية، قال إرولت إن «المرحلة الأولى هي التصويت على قرار، وقبل أي شيء إعادة بدء مفاوضات السلام في جنيف. يجب ألا نتحرك من أنفسنا، بحجة أن الرئيس الأميركي ربما غلى الدم في عروقه، ونصبح متأهبين للحرب».
وأضاف إرولت أن الرد الأميركي في شأن سورية ما زال غير واضح، مشيراً إلى أنه يتلقى رسائل متضاربة من وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس ومن وزير الخارجية ريكس تيلرسون. وقال «إنهما لا يقولان الشيء نفسه».
وقالت فرنسا مراراً إن الأسد لا يمكن أن يكون جزءاً من أي حل تسفر عنه محادثات السلام. وجددت فرنسا وبريطانيا هذا الأسبوع دعوتهما بشار الأسد إلى الرحيل. وقال إرولت «يجب ألا تمر جرائمه من دون عقاب. سيأتي اليوم الذي ستقول فيه العدالة الدولية كلمتها في شأن بشار الأسد».
ووصف «الكرملين» اليوم الهجوم بالغاز السام في محافظة إدلب بأنه «جريمة وحشية» لكنه قال إن استنتاجات واشنطن في شأن الواقعة لا تستند إلى بيانات موضوعية.
وقال الناطق باسم «الكرملين» ديمتري بيسكوف في مؤتمر صحافي عبر الهاتف «كانت هذه جريمة وحشية وخطرة لكن ليس من الصحيح أن نضع عناوين (تحدد مرتكبيها)». وأضاف أن استخدام الأسلحة الكيماوية «غير مقبول» وحضّ قوات النظام السوري على ضمان عدم وقوع مثل هذه الأسلحة في أيدي الإرهابيين.
وقال بيسكوف إن أدلة عن الواقعة قدمتها «منظمة الدفاع المدني» السورية المعروفة باسم «الخوذ البيضاء» لا يمكن اعتبارها أدلة يعول عليها، مضيفاً «لا نتفق مع هذه الاستنتاجات».
وفي الوقت نفسه، قال وزير الصحة التركي رجب أقداغ اليوم، إن نتائج الفحص الذي أجرته سلطات الطب الشرعي في تركيا لضحايا الهجوم الكيماوي ستُرسل إلى العاصمة الهولندية لاهاي لإجراء مزيد من الفحوص. وتم نقل 32 من ضحايا الهجوم إلى تركيا وتوفي ثلاثة أثناء تلقيهم العلاج.
من جهته، قال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يان إيغلاند اليوم، إن تجدد الاهتمام الأميركي بالحرب الدائرة في سورية أمر محل ترحيب إذا ما قاد إلى جهد أميركي – روسي جديد من أجل التوصل إلى حل سياسي.
وقال إيغلاند للصحافيين، بعد يومين من وقوع الهجوم الكيماوي في إدلب، «أتمنى أن تكون هذه نقطة تحول… آمل أن يكون ميلاداً جديداً للديبلوماسية». وقال بعد أن رأس اجتماعاً أسبوعياً في شأن الأوضاع الإنسانية في سورية إن الأمم المتحدة طلبت من أميركا وروسيا وإيران وتركيا التوصل إلى هدنة إنسانية في سورية لمدة 72 ساعة وحرية دخول المساعدات للمناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها بما في ذلك حوالى 400 ألف شخص محاصرين في الغوطة الشرقية قرب دمشق.
إلى ذلك، وضع النظام السوري شروطاً اليوم لأي تحقيق دولي في شأن الهجوم الكيماوي في خان شيخون في محافظة إدلب، قائلاً إنه يجب ألا يكون «مسيساً» ويجب أن يبدأ العمل عليه في دمشق.
وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم إن تجارب بلاده السابقة مع التحقيقات الدولية لم تكن «مشجعة». وقال إن سورية لن تدرس فكرة إجراء تحقيق إلا بعد معالجة مخاوفها. وأكد المعلم مجدداً نفي حكومته أن تكون وراء هجوم الثلثاء على خان شيخون.
ولم يرد المعلم بشكل مباشر على تصريحات ترامب حول الهجوم الكيماوي لكنه قال «أنا أدرك مثلكم خطورة التصريحات الأميركية الأخيرة».
إلى ذلك، قال الرئيس السوري في مقابلة صحافية نشرت اليوم، إن بلاده ليس أمامها من خيار سوى الانتصار في الحرب، وإن الحكومة لم تستطع التوصل إلى «نتائج» مع جماعات المعارضة التي شاركت في محادثات السلام الأخيرة.
وقال الأسد «الأمل لدينا كبير وهو يزداد. وهذا الأمل مرتبط بالثقة ولولا الثقة لما كان هناك أمل. بكل الأحوال ليس لدينا خيار سوى أن ننتصر بالحرب. إن لم ننتصر فهذا يعني أن تُمحى سورية من الخريطة. لا يوجد خيار آخر لذلك. نحن واثقون ومستمرون ومصممون».
ويبدو أن المقابلة التي أجريت مع صحيفة «فيسيرني ليست» الكرواتية تمت قبل هجوم خان شيخون. ولم يوجه إلى الأسد أي سؤال عن الهجوم الكيماوي وفقاً لنص المقابلة الذي نشرته «الوكالة العربية السورية للأنباء» (سانا).
وكانت موسكو اعتبرت أول من أمس مشروع قرار تقدمت به واشنطن وباريس ولندن إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإدانة الهجوم الكيماوي في سورية «غير مقبول»، وأكدت أن موقفها من بشار الأسد لن يتغير.
ونقلت وكالة «تاس» للأنباء عن الناطق باسم بعثة روسيا في الأمم المتحدة فيودور سترغيغوفسكي قوله إن موسكو اقترحت مسودة قرار خاص بها. وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكد أن موقف موسكو من الأسد لم يتغير، بينما اعتبرت الناطقة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا أن مشروع قرار لأمم المتحدة غير مقبول لأن موسكو «لا تعتقد أن من المناسب الموافقة على قرار في شأن الهجوم الكيماوي بصورته الحالية»، بحسب ما نقلت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء.
ووجهت دول غربية بينها الولايات المتحدة اللوم لقوات النظام السوري في الهجوم الكيماوي الذي تسبب في موت العشرات في مدينة خان شيخون في إدلب قصفتها طائرات النظام السورية. وقالت واشنطن إنها تعتقد أن الوفيات نتجت عن هجوم شنته طائرات حربية سورية بغاز السارين وهو غاز للأعصاب. لكن موسكو قدمت تفسيراً آخر قد يحمي الأسد فقالت إنها تعتقد أن الغاز السام تسرب من مخزن أسلحة كيماوية تابع للمعارضة بعدما قصفته الطائرات السورية.
وجددت بريطانيا وفرنسا في وقت سابق دعوتهما إلى رحيل الرئيس السوري بعد الهجوم الكيماوي. وتحدث وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون ونظيره الفرنسي إرولت خلال مؤتمر دولي عن سورية عقده الاتحاد الأوروبي في بروكسيل في محاولة لدعم محادثات السلام المتعثرة بين الأسد وخصومه.
وقال جونسون «إن هذا نظام همجي جعل من المستحيل بالنسبة لنا أن نتخيل استمراره كسلطة على الشعب السوري بعد انتهاء هذا الصراع»، فيما اعتبر إرولت إن الهجوم كان اختباراً لإدارة الرئيس الأميركي ترامب.
ووصف القيادي في جماعة «جيش إدلب الحر» المسلحة البيان الروسي بأنه «كذبة»، وتابع «كل الناس شاهدوا الطيارة وهي تقصف بالغاز، وجميعهم عرفوا نوع الطائرة». وأضاف أن «المدنيين الموجودين كلهم يعرفون أن المنطقة لا يوجد فيها مقرات عسكرية ولا أماكن تصنيع تابعة للمعارضة». وتابع «المعارضة بمختلف فصائلها غير قادرة على صناعة هذه المواد».
وأعلنت «منظمة الصحة العالمية» أن «بعض الحالات ظهرت عليها مؤشرات إضافية تماثل التعرض لمواد كيماوية فسفورية عضوية وهي فئة من المواد الكيماوية التي تتضمن غاز الأعصاب»، وهو ما أكدته منظمة «أطباء بلا حدود» بقولها إن ثمانية أشخاص عالجتهم في أعقاب ما يشتبه أنه هجوم كيماوي ظهرت عليهم أعراض تماثل التعرض لغاز أعصاب مثل السارين».
وقالت المنظمة في بيان «بين ضحايا الهجوم في مدينة خان شيخون الذين نقلوا إلى مستشفى باب الهوى… قرب الحدود التركية، شهدت المنظمة ثمانية مرضى ظهرت عليهم أعراض مثل اتساع حدقة العين والتشنج في العضلات… تماثل التعرض لغاز أعصاب سام مثل السارين».
وكانت لجنة تحقيق في أوضاع حقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة في سورية قالت في وقت سابق، إن قوات النظام السوري استخدمت غاز الكلور القاتل في مناسبات عدة.
وقتل مئات المدنيين في هجوم بغاز السارين في الغوطة الشرقية لمدينة دمشق في آب (أغسطس) 2013. ونفت حكومة الأسد بشكل قاطع مسؤوليتها عن الهجوم. ووافقت سورية بعدها على تدمير مخزونها من الأسلحة الكيماوية في العام 2013 بموجب اتفاق توسطت فيه موسكو وواشنطن.