للقلم سكرات صحوتها صدمة!

طال الفراق بيني وبين التعبير، حتى صارت حياتي شاحبة مُملة لا تعرف سوى حبس ما يجول بخاطري بفلسفة كتم الأنفاس، سنوات وأنفاسي تسجن كلماتي وثرثرة تعابيري ولا راحة إلا النفس العميق المؤقت الذي يودع ما على لساني في أعماق جوفي.. ابتعدت كثيراً عن صدقي في الانتقاد وظننت أنَّ ذلك سيجعلني في راحة نفسية، وفي نهاية المطاف اكتشفت بأنِّي أحبس حريتي بقيود المجاملات، كنت أظن بأنَّ الصمت حكمة، وعرفت بأنه نقمة غالباً؛ فلا حرية بالصمت ولا انتصار؛ الصمت يدفننا ونحن أحياء، ويجعلنا نعيش بحالة نفسية مريبة، لقد مضى الكثير وأنا أرتجف بين أضلعي المغلقة؛ وكأنني حمامة سلام تلفظ أنفاسها في سجن مهجور، ولا أحد!
صدقني لا أحد سيلتفت لصمتك، ولا أحد سينتبه لكلامك إلا إذا غيّر كلامك مجرى الجمل، وصار فعلاً يسبق الأقوال.. لذا حان لي تطليق الصمت الذي عشته، وأنْ أتحدث فأنا إنسان يشعر، وسأنتقد سواءً أصبت أم أخطأت، ولا خطأ كامل ولا صواب كامل؛ كنت أهرب من الشبهات فوجدت بأنَّ صمتي عن الحق أكبر شبهة، كنت أخشى العثرات فوجدت بأنَّ العثرة الأولى قتل حريتي، لماذا نصمت إنْ كانت كلماتنا تغيّر ما حولنا؟ لماذا نتحدث كذلك حينما لا يكون للكلام فائدة أو بعد فوات الأوان.
أذكر أني جلست ذات يوم لوحدي في طاولة في مدينة المحرق البحرينية، كان الجو لطيفاً، ليس معي سوى 4 هواتف فقط، كنت أتأمل خليجي العربي بألم، فاقتحم خلوتي رجل بحريني يمازحني قائلاً: “لست وحدك؛ معك 4 هواتف تستطيع التحدث معها” فأثار ابتسامتي ودعاني للحديث ولم يجد مني إلا رجل قليل الكلام في البداية؛ وبعد ساعات انطلقت حتى أنه ذهل من طول الحديث فقال لي: “إذا كنت تجيد الحديث فنصيحتي ألا تتوقف ولا تتوقف”، ما زال كلامه في ذهني راسخاً، ما الذي نخشاه من الحديث؟ ألم يقل المهلهل التغلبي الوائلي زير النساء السالم من الحروب:
لا يقطعُ الرأسَ إلا مَنْ يركِّبهُ
.. ولا تردُّ المنايا كثرةُ المالِ
**
يتقدم بنا العمر ونكتشف الكثير ويغيب عنا الكثير، وتبقى الكلمات هي بوابة العبور ومراسي الوصول؛ لقد غبت عن كل شيء، وكان الغياب ضياعاً وحماقة شباب، وطيش فلسفة مصابة بنوبة العزلة، ها أنا أعود وفي محبرتي غصّة لا تسعها أوراق ما مضى وما حان، ليتنا نتعلم الدروس، وأول تلك الدروس اختيار الأصدقاء؛ احذر أنْ تقول عن شخص ما «صديقي» فكلمة صديق أصعب الكلمات التي تكني بها فرداً، اختر الأصدقاء بعناية، وتحدّث كثيراً كذلك ولكن أيضاً بعناية.
**
نبرة:
– ستقف ذات يوم في مكان وقد تكون لوحدك وستبكي، حينها لا تذكر الماضي وكن مع الحاضر في تحدي لإهانة الماضي بشجاعتك، صدقني الشجعان لا يصنعون من السهل شيئاً ولكنهم يهينون الصعاب؛ هنا ستعرف مقدار شجاعتك!
**
محمد العراده – رئيس تحرير صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @malaradah