الديمقراطية أفيون خفي ومضيعة لأوقات الأمة
عزمت على كتابة هذا المقال ، بعدما رأيت الناس بدأت تنهج منهج التقديس للديمقراطية والدساتير للأسف حتى أصحاب المناهج والمدارس المتدينة بدأ منظريهم وسياسييهم يدافعون عن التمسك بالديمقراطية والدستور وتفلت منهم العبارات في لقاءاتهم التلفزيونية التي لا يليق أن تصدر عن من له دراية بالشرع الحكيم، مثل الديمقراطية خيار الأمة ، والأمة مصدر السلطات، والشعوب ستحكم وتثور وإلا الدستور والدفاع باستماتة عن منهج استكمال أركان الديمقراطية ، وغيرها من العبارات التي تصب في نفس الاتجاه بأن حكم الأغلبية والنهج الديمقراطي هو ما يجب أن ينتهجه المسلمون عامة والعرب خاصة، وعودة على عنوان المقال وعبارة مضيعة الأوقات والتي أقصد منها الآتي: هل هناك دولة عربية من المحيط للخليج طبقت الديمقراطية ونجحت وتطورت؟
لنستعرض الدول التي سبقتنا بهذه التجربة الفذة (زعموا ) التي يطالب بها البعض ليل نهار لاستكمال أركانها ويتغنى فيها للأسف الإسلاميين قبل الليبرال، والأمر لا يتعلق بالأحزاب والتيارات المتدينة فقط فلو ترأست أحزاب إصلاح حقيقي من أي تيار آخر وبدأت تسحب البساط من المتنفذين والتجار بالأسلوب الديمقراطي لحدث لهم نفس المصير ولكني أضرب مثلا بالاسلاميين لأنهم من أول من صدّق هذه الأكذوبة ووصل بهذا النظام في بعض البلدان مثل الجزائر ( البلديات ) كلنا يذكر ما حصل عندما صعد الاسلاميون عن طريق الديمقراطية وترأسوا البلديات ، فكانت بداية القتل وتسلط الجيش عليهم وظهور بعض الحركات المتطرفة والفوضى ، وفي فلسطين اكتشفت لعبة الديمقراطية بسرعة وعادت السلطة المرضي عنها من الغرب واليهود ، وآخر المطاف مصر وما أدراك ما مصر ، وهي الدولة العربية الكبرى التي يحتذي بها بقية البلدان في العلم والثقافة والمفكرين والديمقراطية ، هل نفعتهم الديمقراطية هل حققت لهم ازدهار ؟ هل حققت لهم تنمية واستقرار ؟ وإن قال قائل إن الديمقراطية لم تتحقق بصورة صحيحة ، ولو تحققت في مصر أو غيرها بصورة صحيحة لاحدثت ازدهارا، وأقول : وكيف لنا أن نعلم صحة فرضيتك ؟ وهل أصبحنا حقل تجارب لنضيع عقود من الزمن لنعلم هل هذا النظام الذي لا يتعدي أن يكون نظام إداري هو الأفضل ، لا تأتي لنا بأمثلة غربية ، لأن مجتمعاتنا العربية الاسلامية تختلف عن تلك كليا ، هذا ان سلّمنا أن الديمقراطية أصلا مطبقة بصورة صحيحة عند الغرب ، أو أنها أي الديمقراطية هي السبب الأساسي لنهضتهم وتطورهم .
والسؤال هنا : لماذا تريدونا أيها الأحزاب والتيارات بدول الخليج والكويت أن نتمسك بالديمقراطية ونسعى لتحقيقها ونكرر تجربة فشلت وسبقتنا بها دول عربية بعشرات السنين ولم تحقق استقرار أو تنمية ورخاء ؟
الجواب واضح لأنها أي الديمقراطية هي التي يستطيعون من خلالها أن يستحوذوا على السلطة ويقايضوا الحكام للحصول على مكاسب ومناصب وثروات . هذا سبب تمسك الأحزاب والتيارات بالديمقراطية ولكنهم يجهلون حقيقة يجب أن يعوها جيدا .وهي أن الديمقراطية هي أيضا الأفيون الخفي للبعض من الشعوب . فكما أن البعض يعتقد أن الدين أفيون الشعوب ويستغل الشعوب باسم الدين ،ونجحت بعض الأحزاب والعديد من السياسيين باستغلال الدين لكسب الشعبية للأسف ، كذلك الديمقراطية افيون للقسم الثاني من الشعوب وهو الذين لا يغريهم ولا تستهويهم كثيرا الشعارات الدينية . فأغروهم بوهم النظام الديمقراطي العادل وأنه رمز التقدم وسبب التطور الذي يعيشه الغرب . وأكرر لولا أنهم يملكون خيوط اللعبة السياسية لما سمحوا لا للديمقراطية ولا لغيرها من الانظمة ان تطبق والأمثلة كثيرة وواضحة.فقط علينا أن نسترجع الأحداث والتاريخ وسنفهم جيدا لماذا زرع لنا الغرب هذا النظام وغيره من الانظمة بديلا عن نظام الخلافة .
تعالوا لنقيّم بتجرد تجربة الديمقراطية على مستوى الكويت مثلا ، اين الاستقرارا السياسي منذ انشا مجلس الأمة ووضع الدستور المبني على الديمقراطية ؟
إن ما يحدث منذ أنشأ مجلس الأمة ما هو إلا إبر تخدير وتنفيس للناس ومصالح يكسبها فئة من الناس على حساب الشعب . فالشعب هو الشريحة المستهدفة لكل من السلطة التنفيذية والتجار من جهة والسادة أعضاء مجلس الأمة و تياراتهم من جهة أخرى ويخطط لذلك جيدا .
وللعلم مجرد أن يسيطر على المجلس فئة شعبية مستقلة ووطنية لا تتبع أحدا وتبدأ بتغير دفة الإدارة للاصلاح الحقيقي لا الترقيعي وينسحب البساط من التجار والمتنفذين سينسف المجلس بالكامل وتقتل الديمقراطية في بيت الديمقراطية .
إذن لنقف وقفة شجاعة ونصحو من غفلتنا على الأقل كمثقفين وحكماء ووطنيين يحبون بلدهم ونقف من الهرولة والتبعية الفكرية للغرب بحجة انه الأقوى والأكثر تقدما ، فقد كنا الأقوى والاكثر تقدما من غير هذه الديمقراطية وكان الغرب من يتبعنا .
والشواهد كثيرة ويعرفها اهل التاريخ ، فلنحاول أن نجد ما يناسبنا من نظام ينظم حياتنا السياسية ونستعرض ما نجحنا فيه سابقا وقدنا به الامم ونحاول تطويره ( كالخلافة الراشدة مثلا) ولم لا ؟ ولم نستحي أن نطرحها كمشروع اصلاحي ! لم لا نفتخر بها نطورها لتلائم عصرنا الحديث ! ولتكن وحدة دول الخليج مثلا نقطة البداية للمزيد من التلاحم في هذا الوطن العربي الاسلامي الكبير ،ونسعى للمزيد من الوحدة في الأقاليم العربية الأخرى مثل أفريقيا والشام والعراق ، بدل من أن يخطط لنا للمزيد من التشتت والتفرق المؤدي بلا شك للمزيد من الضعف والهوان وتحكّم الغرب والقوى العظمى بنا بعد المزيد من تفكيكنا ، لم لا نكون مستقلين فكريا وسياسيا عن التبعية للغرب ولنا ما يميزنا ؟ يجب أن نتراجع قليلا ونقف ونقيّم ما جرى لبقية الدول والشعوب ولا نكرر أخطاؤهم .
وسؤالي هنا تحديدا للتيارات والأحزاب الاسلامية : أليست الديمقراطية هي حكم الأغلبية ؟ طيب أليس من الممكن أن تتصدر أغلبية فاسقة (وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) ، وتشرّع هذه الأغلبية الغير صالحة ما حرّم الله ؟
وما مجلس 2012 الثاني منا ببعيد وهو مجلس سهل الانقياد وممكن أن يتكرر بأسلوب آخر وبمتنفذين لهم مشروع افساد ويحسبون أنهم مصلحون بأي وقت ويشرّع ما يشاء بحسب هوى من وراء هؤلاء النواب .
إذن لماذا نراهن على حصان خاسر مسبقا ونرى خسارته تتجلى امام أعيننا في عدة بلدان وفي عدة مواقف ، والكيس من وعظ بغيره .ولا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين .
وهنا أنبه بأنه لا يعني كلامي ان نعتزل المجلس ونترك التحرك للاصلاح ، لا أبدا فما لا يدرك كله لا يترك جله ، وعلينا أن نسدد ونقارب ونقلل من الشر مهما استطعنا ولكن ما قصدته أن لا نكافح من أجل تحقيق الديمقراطية ونتغنى بالدفاع عنها ونجعلها خيارنا الأول فما هي إلا أسلوب إدارة ومدرسة من مدارس الحكم ولو كانت خيرا لهدانا نبينا عليه الصلاة والسلام إليها ولاتبعها وأمر باتخاذها منهجا ، فقد كانت أي الديمقراطية من المناهج التي استخدمتها الحضارات السابقة للحضارة الاسلامية .وكذلك علينا أن نجد منهجا يلائم مجتمعنا وديننا وعقيدتنا ونطور ما كنا عليه وما تفوقنا به ، وهذا مسؤولية الجميع وخاصة المثقفين والحكماء والمستنيرين.
أما الديمقراطية التي نعيشها من وجهة نظري في أفضل أحوالها واقع مشوه موجود نتعامل معه للتقليل من الفساد ، لا نسعى لها ولا نكافح من أجل استكمال اركانها كما يدندن الكثير من السياسيين حوله اليوم .
فيكفينا ضياع عقود من الزمن من هذه الامة في أنظمة عسكرية وشيوعية ودكتاتورية وملكية وراثية هنا وهناك ما زادت أمتنا إلا ضعفا وتفرقا وهوانا . فبعد الخلافة (على مساوءها مؤخرا)هذا النظام الذي ازدهر به العالم الإسلامي والعربي وتفوق وتطور ، لم يتبع العرب والمسلمين نظاما بعده يطورهم ويلائمهم ويحقق لهم الاستقرار السياسي والوحدة والقوة . بل لا زلنا من تفكك وتمزق الى ضعف وتبعية واستكانة وتأخر في جميع الجوانب .
تجرد واسترجع احداث التاريخ وتأني في التفكير ثم قرّر وانقد.
يحيى الدخيل ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @Aldakheel7