شكوك إسرائيلية في نيات ترامب… ومخاوف من مؤتمر باريس

أسبوعان على تسلم دونالد ترامب الرئاسة الأميركية، وأقل من عشرة أيام على مؤتمر السلام الدولي في باريس، هي فترة حاسمة في نظر الحكومة الإسرائيلية. خلال هذه الحقبة الزمنية القصيرة، تعمل وزارة الخارجية وديوان رئيس الوزراء وغيرهما من المؤسسات على منع صدور قرارات تضع تل أبيب من جديد أمام مساءلات دولية. وتأمل الحكومة أن يحقق ترامب ما وعدها به: نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وإجازة مشاريع الاستيطان، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتغيير العلاقات بشكل جذري بين البيت الأبيض وبين حكومة بنيامين نتانياهو.
هنالك قلق واضح من مؤتمر باريس. نتانياهو نفسه تحدث عن هذا القلق، وقال خلال لقاء مع سفراء إسرائيل في الخارج، إن هناك من يريد أن يتخذ قرارات معادية لإسرائيل في مؤتمر باريس ويحولها إلى قرارات في مجلس الأمن الدولي قبيل العشرين من الشهر. ويتعاظم القلق الإسرائيلي في أعقاب الحديث عن نية فرنسا طرح عدد من المبادئ لتسوية القضايا الكبرى في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، خلال مؤتمر السلام الدولي المنعقد على أراضيها، كقضيتي اللاجئين الفلسطينيين ومستقبل القدس الشرقية. كما يقلقها احتمال أن تطرح سويسرا، التي تولت رئاسة مجلس الأمن، مشروع قرار بروح خطاب وزير الخارجية الأميركي جون كيري، للتسوية. وأطلق نتانياهو، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الخارجية، خطة مكثفة تقودها وزارة الخارجية لمنع استغلال فترة إدارة أوباما، حتى العشرين من الشهر، لطرح مشروع تسوية.
أعضاء الليكود الحاكم والمستوطنون الذين أطلقوا رسالة أولية لترامب يدعونه فيها إلى أن تكون أولى خطواته تجاه إسرائيل، دعم استئناف البناء في القدس والكف عن إجراء إبلاغ الأميركيين في كل مرة يتم فيها نشر المناقصات للبناء في القدس. فإسرائيل، بحسب ما يرى الليكوديون والمستوطنون باتت مكبلة سواء في البناء أو في تنفيذ أوامر هدم بيوت الفلسطينيين التي تقرر هدمها بذريعة البناء غير المرخص.
إلا أن الشكوك في شخصية ترامب المتقلبة قائمة. كثيرون يدعون الإسرائيليين إلى تهدئة حماستهم، فما يقال في معارك الانتخابات ليس بالضرورة هو الذي ينفذ. وترامب نفسه معروف بمزاجيته. وهذه صفات لا تضمن الالتزام بالوعود. وحتى رسائل الطمأنة التي وصلت إلى تل أبيب لم تخفف من قلق الإسرائيليين، فترامب لن يكون وحيداً في الساحة الدولية لدى اتخاذ أي قرار، حتى لو أراد. وإذا قرر نقل السفارة الأميركية إلى القدس، مثلاً، فإن خطوات عملية ستتخذ على الحلبة الدولية قد تلزمه بالتراجع. ولو نفذت الدول العربية مثلاً مطلب السلطة الفلسطينية، كما صاغه صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وطردت الممثلين الديبلوماسيين الأميركيين من عواصمها كخطوة احتجاجية، فإن ترامب سيتراجع.
وهكذا، فإن وضع يوم 20 كانون الثاني، كيوم تاريخي للتغيير كما هتف الوزير الاستيطاني نفتالي بينت، ليس مضموناً.
داخلياً تشهد إسرائيل أيضاً صراعاً، تفاقم حتى بين وزراء الحكومة، بعدما أطلق بعضهم، وفي مقدمهم، وزيرا التعليم نفتالي بينت والقضاء إييلت شكيد، الدعوة إلى ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل والإعلان عن رفض إقامة الدولة الفلسطينية. هذه الدعوة تثير في هذه الأيام نقاشاً بوتيرة عالية في إسرائيل، على رغم الأحداث الملتهبة الأخرى التي تشغلهم كالتحقيق مع رئيس الحكومة.
مسألة الضم تشكل بالنسبة لجهات عدة، خطوة خطيرة وقد برز بين معارضيها وزير شؤون التطوير الإقليمي تساحي هنغبي، الذي وصف ضم أجزاء من الضفة بالكارثة. وخاض معركة ضد بينت قائلاً إن دعوة كهذه من شأنها أن تضع إسرائيل في مازق من الصعب الخروج منه. وهذا الموقف جاء متوافقاً مع موقف زعيم المعارضة يتسحاق هرتسوغ، الذي اعتبر خطوة كهذه تكراراً لما حدث في البوسنة، واتهم بينت ومطلقي دعوة الضم بالسعي إلى «غسل دماغ الجمهور بالأكاذيب، فالمناطق C التي يريدون ضمها تشكل 60 في المئة من الضفة الغربية، وهذا يعني ليس فقط أن هذا الأمر ليس ممكناً، بل مستحيلاً».
بطرح خطة الضم تخوض إسرائيل مواجهة قانونية دولية ضد معاهدة جنيف الرابعة التي أقرت أن مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية هي أراض محتلة. ويحذر رافضو الضم من أن خطوة كهذه ستحول إسرائيل إلى دولة أبارتهايد في شكل رسمي.
تقر إسرائيل، وفق مدوناتها الرسمية أن في الضفة غالبية فلسطينية حاسمة تصل إلى 82 في المئة. وفي 60 مستوطنة من بين 126، يعيش أقل من ألف مستوطن إسرائيلي في كل منها، ويبلغ مجموع الإسرائيليين فيها 28 ألف إسرائيلي فقط. في 51 مستوطنة أخرى، يتراوح عدد سكان كل واحدة منها بين 1000 و5000 نسمة، يعيش 114 ألف إسرائيلي فقط. الـ15 مستوطنة الأخرى، هي تلك التي تشكل «كتل الاستيطان» الإسرائيلية. هذه الكتل، مع القدس الشرقية، تمتد على نسبة 4 في المئة فقط ويعيش فيها حوالي 80 في المئة من المستوطنين.
لقد تراجع عدد المستوطنين من 10.4 في المئة إلى 4 في المئة فقط. كما تغيرت عوامل الزيادة في عدد السكان في شكل كبير، حيث أن مصدر ثلث الزيادة، فقط، هو الهجرة من داخل الخط الأخضر إلى الضفة، بينما مصدر الثلثين الآخرين من الزيادة الطبيعية.
بمثل هذه الوضع ليس فقط سيكون بينت وشكيد وداعموهما عاجزين عن تحقيق خطوات أولية من خطتهم، بل إن الوضعية القائمة ستدفع إلى المزيد من الضغوط الدولية والمحلية للتوصل إلى تسوية سلمـــية على أساس دولتين لشعبين.