خطأ في استحواذ البنوك على سندات الدَيْن الحكومية

رغم استمرار تطوّر أسواق السندات في دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه لا يزال هناك كثير مما يتوجب القيام به لإنشاء أسواق سندات عميقة وتتمتع بالسيولة المطلوبة. وكتب ستيفن داوني، عضو معهد المحللين الماليين المعتمدين، عضو جمعية المحللين الماليين المعتمدين في الإمارات مقالاً على هذا الصعيد، نصه الآتي:
شكّلت أسواق السندات في المنطقة مصدر تمويل بدأت تلجأ إليه الحكومات والشركات بصورة متزايدة لسد عجوزاتها المالية. وتقول «بلومبيرغ» إن هناك حالياً ما قيمته 125 مليار دولار أميركي من السندات الحكومية غير مسددة القيمة طرحتها دول مجلس التعاون الخليجي في الأسواق الأجنبية، جرى إصدار ما قيمته 54.5 مليار دولار أميركي منها حتى الآن خلال عام 2016. ومع تصدّر السعودية الأسواق الصاعدة في إصدار السندات الحكومية بقيمة 17.5 مليار دولار أميركي في أكتوبر الماضي، يبدو جلياً أن شهية المستثمرين الكبيرة على السندات الخليجية إيجابية.
وأشار مايكل جريفرتي رئيس جمعية الخليج للسندات والصكوك GBSA إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي بدأت ترسِّخ مكانتها بين سائر الأسواق الصاعدة بسبب إصداراتها الخارجية للسندات وتطور أسواق السندات الإقليمية فيها.
وبغية تطوير أسواق السندات في المنطقة، يتمثّل أهم الأهداف، على المدى القصير، في إرساء أسس منحنيات عائد للسندات الحكومية لكل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي على حدة. ولتحقيق هذا الهدف، ينبغي على الحكومات إصدار سندات قصيرة وطويلة الأجل بصورة منتظمة ما يعزز سيولة الأسواق ويتيح للمُصدرين والمستثمرين، على حد سواء، تقييم وتسعير السندات بشكل دقيق. وفي ظل توقع بلوغ العجوزات المالية لدول مجلس التعاون الخليجي %10.4 عام 2016 وفق تقديرات البنك الدولي، باتت الحكومات تدرك بعمق الحاجة إلى إصدار السندات بصورة منتظمة.
وعلى المدى المتوسط، تحتاج دول المجلس تطوير سوق سندات بالعملات المحلية وتعميق سوق السندات الراهنة المقوَّمة بالدولار الأميركي. وعلى غرار غيرها من دول الأسواق الصاعدة، يتوجب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تردف اقتراضها من الخارج بصورة تدريجية بالمزيد من الاقتراض من الداخل. وعلى الصعيد العملي وبغية تطوير سوق سندات محلية عالية السيولة، يتوجب على الحكومات إصدار سندات قصيرة الأجل قبل الانتقال تدريجياً إلى إصدار سندات طويلة الأجل بسعر الفائدة السائد في الأسواق وبصورة منتظمة. ويساعد ذلك في تمهيد الطريق أمام الشركات للحصول على أسواق تتيح إصدارها لسندات محلية. ويعتبر استحداث سوق سندات محلية حيوياً للتخصيص الفعّال لرؤوس أموال المستثمرين وإدارة مخاطر الاتجار بالعملات الأجنبية وتمكين الشركات من الاقتراض بأسلوب عالي الكفاءة.
ولا تزال الشركات تعتمد بصورة رئيسية على الاقتراض من البنوك للترسمل، لأنه يبدو أرخص قليلاً وأكثر مرونة وأسهل للحصول عليه. لكن البنوك المركزية الخليجية أخذت تشدد القيود على قروض البنوك والمبالغ التي يحق لها إقراضها للمؤسسات. وهناك إدراك متزايد حالياً لطول المدة التي يحتاج إليها إصدار سندات وارتفاع تكاليفه. إضافة إلى ذلك، يبدو أن هناك قيوداً تكبح نوعاً ما تداول سندات وصكوك دول مجلس التعاون الخليجي في السوق الثانوية نظراً لقيام البنوك بشراء نسبة كبيرة من السندات وميلها للاحتفاظ بها حتى استحقاق آجالها. ويجعل انخفاض السيولة هذا السندات تبدو أقل جاذبية في نظر المستثمرين، وهو ما يشكل أحد الأسباب المحتملة التي تفسر تداول السندات بأسعار فائدة أعلى من غيرها من سندات دول الأسواق الصاعدة ذات التصنيف المماثل.
وهناك عدد قليل من الأهداف الرئيسية الكفيلة بتحسين أسواق السندات الخليجية. وتتعاون جمعية الخليج للسندات والصكوك GBSA حالياً مع السلطات التنظيمية لتعزيز انسيابية العملية وتخفيف الأعباء الإدارية والقانونية لعمليات إصدار السندات والصكوك. ومن المهم بالتحديد، المحافظة على القدرة على إصدار سندات تستهدف جهات مختارة حصراً، لأن ذلك يخفف من أعباء السلطات التنظيمية والتكاليف القانونية مقارنة مع السندات المطروحة لاكتتاب العموم. ويؤدي استمرار توسعة قاعدة المستثمرين المحليين والأجانب إلى تعزيز عمق وسيولة أسواق السندات. وتقوم صناديق التقاعد وشركات التأمين بشراء شريحة كبيرة من سندات الشركات والحكومات في الدول المتقدمة. وعندما يغادر المستخدمون شركاتهم حالياً، فهم يتمتعون بحق الحصول على تعويضات نهاية خدمة، في الوقت الذي تحتفظ فيه الكثير من الشركات بالضرورة بالأموال اللازمة لسداد تلك الالتزامات الكبيرة. وإذا أرادت دول مجلس التعاون الخليجي تعزيز ذلك ببرامج تقاعد خاصة، فسوف تنشئ مؤسسات تعتبر مثالية للمستثمرين على المدى البعيد، لأنها تحتاج إلى مضاهاة التزاماتها التمويلية الطويلة الأمد بأصول موازية من السندات ذات الاستحقاقات الطويلة الأجل.
وبصورة عامة، يبدو سوق الدخل الثابت إيجابياً بشكل معقول في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تعتبر أسعار الفائدة فيها جذابة وسط استمرار البحث عن عائدات مجزية في الأسواق العالمية. وفي ظل وجود طلب قوي من قِبَل المستثمرين وقيام العجوزات المالية بتحفيز دول مجلس التعاون الخليجي على تطوير أسواق السندات، هناك توجه قوي نحو تعميق أسواق السندات الذي يجب أن ينتج عنه في النهاية تخصيص عالي الكفاءة لرؤوس الأموال واستقرار النمو الاقتصادي.