توازنات الأسرة .. بين المعارضة والغرفة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين..
محور مقالي هو قراءة سياسات ثلاثة أقطاب محلية وتفسير تفاعلاتها لفهم دوافع كل قطب ولاستيعاب التوليفة السياسية المحلية، ومعرفة ما إذا ستتم تحولات في موازينها خصوصاً بعد حدوث متغير رئيسي في مجلس فبراير 2012م، ومن المعلوم أن أقطابنا السياسية المحلية لا تتجاوز الثلاثة أقطاب وهم كالآتي:
١) الأسرة الحاكمة.
٢) معارضة ما بعد حكم الدستورية بتحصين مرسوم الصوت الواحد.
٣) التجار الحضر “الغرفة”
أولاً: (الأسرة الحاكمة)
* كل السياسات الصادرة عن الأسرة إنما نتجت وستنتج عن دافعين اثنين:
أ- الحفاظ على كل الصلاحيات والمكتسبات التي يعطيها دستور 62 لأسرة الحكم.
ب- توظيف الحالة السياسية لتصفية غير المرغوب فيهم من أبناء الأسرة.
– أما الدافع الأول فهو تفسير لحل مجلس فبراير 2012م، الذي طالت مخالبه عن حد جرح قشرة الجلد لتصل إلى حد فتق سمحاق العظم، ومن ثم تلى الحل إصدار مرسوم للضرورة ينص بتعديل النظام الانتخابي ليجعله بصوت واحد، وتكون الأسرة بذلك طبقت سياسة استراتيجية ذكية وهي تكمن في “التمدد على مساحة وأراضي صلاحيات الشعب، لتأمين وضمان حدود صلاحيات وأراضي السلطة الأصلية التي كانت تمارسها منذ عام 62م وحتى يومنا الحالي.
– بالنسبة للدافع الثاني، فيمكن تفسيره في ضوء تكرار تعيين الشيخ ناصر المحمد رئيساً للوزراء لسبع مرات متتالية في ظل ظروف وحالة برلمانية شرسة، وقد كانت هذه الحالة كفيلة بحرق ما تبقى من رصيد وحظوظ للشيخ ناصر المحمد تجاه طموحه الذي يصرح به وأعتقد أن مصير الشيخ جابر المبارك لن يكون بعيداً عن مصير الشيخ ناصر المحمد، وأظن أن الدورة الحالية هي آخر دورة يكون فيها المبارك جالساً على كرسي رئاسة الوزراء، وفي حال تم تعينه مجدداً في ظل هذه الظروف فإن ذلك سيكون بمثابة التذكية التي تنهي ما تبقى من حظوظ للشيخ المبارك.
ثانياً: (المعارضة)
* كل السياسات الصادرة عن معارضة ما بعد تحصين الدستورية لمرسوم الصوت الواحد، إنما نتجت وستنتج عن دافعين اثنين:
أ- إعادة الحالة السياسية لكتلة الاغلبية في مجلس فبراير 2012م (نقطة الصفر).
ب- توظيف حالة (نقطة الصفر) لتحقيق بعض التعديلات الدستورية التي أدعي أنها لن تصل لحد الحكومة البرلمانية الكاملة، وإنما أقصى طموحهم هو الإكتفاء ببعض التعديلات الدستورية مع الحصول على نصف مقاعد الحكومة + ١.
– أما الدافع الاول فهو يفسر عدم إنهاء وإعلان المعارضة عن مشروعها لفترة سنة ونصف، لأنه في الحقيقة طموح المعارضة لم يكن ولم يزل، لا يتعدى حدود إرجاع الحالة السياسية لمجلس فبراير 2012م، ولكنه وبعد فشل أنشطة الحراك بعدم تحقيقها لنتائج ملموسة على أرض الواقع، وبعد أن اقتربت بوادر فترة “الطاولة المستديرة للمفاوضات”، قرر الائتلاف الانتهاء والإعلان عن ما يسمى “مشروع الائتلاف” والذي يدعم بدوره ويدفع نحو الحكومة البرلمانية، لتكون هذه هي الخطوة الاستراتيجية التي استخدمها الائتلاف لضمان مكتسبات “نقطة الصفر” التي حددتها سابقاً، والخطوة تكمن في (التمدد على مساحة وأراضي صلاحيات السلطة لتأمين وضمان حدود مساحة وأراضي المكتسبات الشعبية) والمتمثلة بوجهة نظر الأغلبية في “استحقاق الشعب بأن يحوز على أغلبية برلمانية معارضة تمثل الرأي العام الشعبي”، بمعنى آخر:
هو أن يتمدد كلا الطرفين “السلطة/المعارضة” في مساحة الطرف الآخر حتى تحين فترة المفاوضات، ومن يتمدد أكثر في هذه الفترة فسيحوز على مكتسب أكبر عند الوقوف عند سقف “الحلول الوسط” التي سيلجئ لها الجميع في نهاية المطاف.
– بالنسبة للدافع الثاني، فسلوكيات الأغلبية البرلمانية المنحلة في فبراير ٢٠١٢م تفسر ذلك الدافع، عن طريق سلوكين اثنين:
أ- نوعية التشاريع ومشاريع القوانين التي سنتها والتي كانت في حيز الصياغة في حينها.
ب- رفض الأغلبية لدعوات التوزير إلا في حالة واحدة وهي بأن تحوز الأغلبية على أغلبية مقاعد الحكومة.
وأظن أن هذين البندين هما سبب انزعاج السلطة في البداية وهما سبب الحل وإصدار مرسوم الصوت الواحد.
ثالثاً: (التجار الحضر / الغرفة)
لهم دافع وحيد وهو:
– استمرار الوضع الراهن والمكتسبات التي كسبوها بسبب سياسة “إعادة التوزان” التي صبت لصالحهم في عهد عبد الله السالم.
وأعتقد أن تسليم رئاسة مجلس الأمة لمرزوق الغانم، ليس إلا فرصة تقدمها السلطة للتجار الحضر (الغرفة) ليستخدموها في عملية تدافعهم الاجتماعي مع المعارضة وليرجحوا كفة التدافع لصالحهم، للحيلولة دون جعل السلطة القادمة ترى أن الحاجة لإعادة التوازن باتت ضرورية لاستقرار النظام السياسي.
* وفي الختام ألخص توقعاتي واستشرافي لما ستؤول إليه الأمور بعدة بنود وهي كالآتي:
أ) سينتهج الائتلاف نهج وسياسة جديدة سأسميها ” سياسة لَـمْ الشمل والتوسع شعبياً” من خلال ضم شرائح تم إقصائها سابقاً ومن خلال دعوة شخصيات أكاديمية واجتماعية وسياسية لكسب تأييدها ودعمها للمشروع.
ب- سيكون هناك تغير دراماتيكي في سياسة اتخاذ القرار داخل الائتلاف بسبب سياسة ” لم الشمل والتوسع شعبياً” وسنرى تأثيراً أقل على توجيه دفة القرار من قبل فرسان الائتلاف:
( مسلم-جمعان-المسلم)، بمعنى آخر لن يستمروا محوراً ومركزاً في اتخاذ قرار الائتلاف مستقبلاً.
جـ- لن تلجئ المعارضة مجدداً للمسيرات بشكل منظم كما في نموذج “كرامة وطن”، وذلك لفترة زمنية أعتقد لن تقل عن سنة في حال استمرت السلطة على سياسة “غلق الآذان”
د- ستتوجه المعارضة بكل أطيافها وتنظيماتها بشكل منظم لساحة الارادة وبشكل دوري ومستمر، لإثبات فشل سياسات “الغرفة” التي تسعى لتهدئة الأوضاع لكي لا تجعل السلطة تلجئ لسياسة “إعادة التوازن” لصالح شرائح المعارضة .
ع- في حال نجاح سياسة “لم الشمل والتوسع شعبياً” بتفاعل الرأي العام وتحرك الشارع معهم
فإننا سنشهد أمرين:
١) تغير لهجة غرفة التجارة ممثلة بمرزوق وتحولها إلى لهجة معارضة وشرسة، وذلك بعد أن يحترق تأثير مرزوق الشعبي بسبب الأخطاء والتصاريح التي سيقع ويدلي فيها مرزوق في فترة الضغط الشعبي الذي سيكون بمثابة هاجس و “بعبع” بالنسبة لمرزوق يتحول من كونه مجرد “بعبع” إلى واقع سيغير الموازين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ورثها لصالحه، والتي يخاف أن تتحول في عهده لصالح غيره، مما سيجعله يتخبط بتصاريحه.
٢) مع ازدياد الضغط الشعبي وازدياد أخطاء مرزوق فستتحقق مطالب المعارضة التي حددتها في أول مقالي وأسميتها بدوافع المعارضة، وأهمها هو رجوع حالة الاغلبية البرلمانية في مجلس فبراير 2012م، عن طريق حل المجلس وسحب مرسوم الصوت الواحد، مما سيضمن للأغلبية عودتها لمقاعد البرلمان بمثل إن لم يكن اكثر من مقاعدها في مجلس فبراير 2012م، وذلك لازدياد شعبيتهم في حينها عندما ينجحوا في حل المجلس وسحب مرسوم الصوت الواحد، ومن ناحية أخرى ستحوز الاغلبية على نصف مقاعد الحكومة + ١ في أفضل الأحوال.
غ- في حال فشلت سياسة لم الشمل والتوسع شعبياً بعدم تفاعل الشارع مع المعارضة، فإننا سنشهد عصراً جديداً تكون فيه الغرفة أكثر قوةً وأكثر صلابةً من السابق مما سيكون له تداعيات اقتصادية سلبية على المواطن، ستكون كفيلة بسحق ما تبقى من الطبقة المتوسطة.
هـ- أظن أن الكويت لن تصل للحكومة البرلمانية في العقد الحالي على الأقل إلا أن ذلك يرجع لعدة عوامل وهي كالآتي:
١) أثبتت السلطة قوتها للرأي العام أمام صدمات الحراك السابقة، في الحين الذي أثبت فيه قادة الحراك عدم قدرتهم على مجاراة السلطة بسبب الظروف والمعطيات .
٢) انقسام الرأي العام حول قضية الحكومة البرلمانية، بل وانقسام المعارضة نفسها نحو مطلب الحكومة البرلمانية.
٣) عدم إيمان الائتلاف حقاً بالحكومة البرلمانية الكاملة، واستخدام ورقة المطالبة بها كإجراء تكتيكي واستراتيجي، ليتم التفاوض في مساحة مطالبات “مشروع الائتلاف” لا في مساحة المكتسبات الأصلية لدستور 62م .
هذا والله أعلم، وحفظ الله الكويت وشعبها وقيادتها من كل مكروه، ووفقهم جميعاً للتوافق على ما فيه خير للبلاد والعباد.
عبد الله خالد الغانم ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @aalghanim11