شوارع القاهرة.. لا موطئ لقدم
نهر من السيارات فاض في الشارع الضيق، تتلوى بين صفوفه غير المنتظمة دراجات يمسك السائق مقودها بيد ويسند بأخرى رف من جريد النخيل رصت عليه أكوام من أرغفة الخبز ليأتي أخر مسرعا على دراجة بخارية فيسقطه، ويقع الخبز بين إطارات السيارات قبل أن يسد طريقه “توك توك” هجم فجأة من باب جانبي متحديا سيارة النقل المحملة بثلاجات وأفران وأثاث من المخمل الأحمر كانت تحاول استغلال ثغرة أحدثتها سيارة الإسعاف.
كل ذلك وسط سيمفونية صاخبة من الأبواق المختلفة الطبقات ما بين صافرة سيارات الشرطة إلى أخر يحاكي صوت البقرة، أو صريخ بوق ضغط عليه سائق بغضب ليوقظ آخر في السيارة التي أمامه غفا في انتظار فتح الطريق.
“إنني على بعد بنايتين من منزلك، قد أصل بعد دقيقتين أو بعد ساعتين”، يقولها السائق في هاتفه المحمول لصديق ضاق ذرعا من انتظاره.
تفاقم زحام القاهرة بدرجة كبيرة في الفترة الماضية حتى فاق شهرته الأسطورية، بسبب إغلاق العديد من الطرق الحيوية بكتل اسمنتية تحسبا لتظاهرات أنصار جماعة الإخوان المسلمين الذين يرفضون عزل الرئيس السابق محمد مرسي في يوليو الماضي، أو حماية لمنشآت حيوية يخشى من تعرضها لهجمات معارضي الجيش.
تزداد الأمور تعقيدا ويصاب المرور بشلل تام عند انفجار قنبلة بدائية الصنع زرعت على قارعة الطريق، كما يحدث من آن لآخر منذ اختفاء الشرطة على خلفية أحداث ثورة 25 يناير 2011، وانشغالها حاليا بالملف الأمني الذي يمثل مشكلة كبيرة.
لكن قبل المستجدات والهواجس الأمنية، كانت المعضلة تتمثل في زيادة عدد السيارات سنويا بشكل كبير حتى وصل عددها إلى 6.5 مليون سيارة تستوعب العاصمة الجزء الأكبر منه، وهو ما لا يتناسب مع حجم شوارعها.
يضاف إلى ذلك سوء التخطيط حيث تندر الكراجات العامة متعددة الطوابق، ما يدفع بالسائقين إلى ترك السيارات في قارعة الطريق. بالإضافة إلى انتشار معوقات الطريق من جانب الباعة الجائلين الذين يحتلون جزء كبير من الشارع.
“إنه إهدار ضخم للوقت والجهد، لكي أقود أبني للمدرسة يجب أن نترك منزلنا قبل الموعد بساعتين ثم أقود ساعة أخرى حتى عملي وفي العودة يقله والده لأنني لو فعلت لما عدت إلى بيتي إلا بعد ساعتين إضافيتين منهكة القوى غير قادرة على رعاية طفلي”، حسب هبة منير، موظفة ببنك في أحد ضواحي القاهرة.
وتقدر قيمة الأموال المهدرة في مصر بسبب الزحام ووقوف السيارات لساعات طويلة بنحو 15 مليار جنيه سنويا في المتوسط من البنزين المدعم، حسب تقرير نشر بجريدة “اليوم السابع” المستقلة.
مترو الأنفاق الذي ينقل نحو 3.6 مليون راكب يوميا لم يحل مشكلة المرور كما كان متوقعا عند البدء في مشروعه في ثمانينيات القرن الماضي بسب الزيادة السريعة في عدد السكان، المقدر بنحو 90 مليون نسمة، منهم أكثر من 20 مليونا في القاهرة الكبرى.
وظهر مؤخرا التاكسي النهري، وهو نسخة أسرع وأعلى سعرا من الأتوبيس النهري، لينقل الناس من ضاحية المعادي جنوبي القاهرة إلى أنحاء أخرى عبر النيل لتفادي زحام الشوارع.
وكلما تفاقمت المشكلة كلما أصبحت مادة للتهكم والسخرية.
فمن يقترح أن تجهز السيارات بغرف للنوم ودورات مياه لقضاء الحاجة عند تعذر الوصول إلى المنزل، ومن يتهكم قائلا إن على الحكومة توزيع طائرة هليكوبتر لكل مواطن لتفادي الشوارع.
ويبلغ الزحام ذروته كل عام في شهر رمضان قبيل موعد الإفطار، فتعيد جريدة “الأخبار” نشر رسم كاريكاتوري للفنان مصطفى حسين يجسد ضابط مرور يصرخ في مكبر الصوت: “من منكم ينتظر في سيارته فتح الطريق منذ أسبوع فقط فليتنحى جانبا ويترك أولوية المرور لمن متوقف هنا منذ رمضان الماضي”.