مجلس الأمة
خبراء: الاعتبارات السياسية تعرقل الإصلاح الاقتصادي

لم يفلح قرار الحكومة الكويتية منح المواطنين كميات مجانية من البنزين شهريا لتعويضهم عن ارتفاع أسعاره بعد خفض الدعم في كسب رضا رجل الشارع ولا المحللين.
فالخطوة التي جاءت تحت ضغوط نيابية لم تنل استحسان المواطن الكويتي الذي اعتبرها أقل من اللازم بينما رآها محللون تعطيلا جزئيا للخطة التي أعلنتها الحكومة لإصلاح أوضاع الاقتصاد على المدى المتوسط وحصلت على موافقة البرلمان في يونيو.
تهدف الاستراتيجية التي عرفت بوثيقة الإصلاح الاقتصادي إلى إصلاح الميزانية العامة وإعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد وزيادة دور القطاع الخاص وتفعيل مشاركة المواطنين في تملك المشروعات العامة وإصلاح سوق العمل.
لكن محللين يقولون إن هذه الاستراتيجية أصبحت اليوم مهددة أكثر من أي وقت مضى بسبب الاعتبارات السياسية.
وقدم نواب كويتيون الخميس استجوابا ضد وزير المالية وزير النفط بالوكالة أنس الصالح يدور حول ثلاثة محاور تتعلق بشكل أساسي ببرنامج الإصلاح الاقتصادي.
وتتهم صحيفة الاستجواب الوزير “بسوء الإدارة والعشوائية إضرارا بمصالح المواطنين متمثلة في الزيادة غير المدروسة أو المبررة لأسعار الوقود.. والتفريط في حماية مصادر النفط وضياع ثروات البلاد. وافتقاد المصداقية في التعاون مع أعضاء مجلس الأمة.”
وطبقا لبيانات أعلنها وزير المالية في يناير الماضي فإن حجم الإنفاق على الدعم يبلغ 2.9 مليار دينار (9.6 مليار دولار) ويمثل نحو 15 في المئة من إجمالي مصروفات السنة المالية الحالية في حين بلغ 3.78 مليار دينار في ميزانية السنة الماضية.
ويذهب الجزء الأساسي من هذا الدعم إلى الطاقة بمختلف أنواعها.
وأخذت أغلب دول مجلس التعاون الخليجي التي يعتمد اقتصادها على النفط خطوات مماثلة.
هذه ليست المرة الأولى التي تتراجع فيها الحكومة تحت ضغط شعبي ونيابي عن قرارات مهمة لإصلاح الاقتصاد والتأقلم مع هبوط أسعار النفط.
فقد تراجعت في ابريل الماضي تحت ضغط إضراب عمال النفط عن خطة سميت بالبديل الاستراتيجي وهدفت لخفض النفقات وإصلاح مرتبات العاملين في الوظائف الحكومية وتحقيق العدالة بينهم وفي مقدمتهم عمال النفط الذين يحصلون على مرتبات ومزايا وظيفية لا تقارن بنظرائهم العاملين في وظائف حكومية أخرى.
كما تراجعت أيضا بضغط من النواب عن المضي قدما في خطة خصخصة الخطوط الكويتية التي تمنى بخسائر سنوية كبيرة. وكانت الخطة تقضي بطرح 40 بالمئة من أسهم الخطوط الكويتية للاكتتاب العام وبيع 35 بالمئة لمستثمر للأجل الطويل بينما تحتفظ الحكومة بنسبة 25 بالمئة وذلك وفقا للقانون الذي أقره البرلمان في عام 2008
وقال عبد الله أحمد الشرهان الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية الكويتية في 2015 إن الحكومة والبرلمان يتجهان لإلغاء حصة الشريك الاستراتيجي بحيث يبقى 75 في المئة من الأسهم ملكا للحكومة و20 في المئة للاكتتاب العام للمواطنين وخمسة في المئة لموظفي الشركة
وقال المحلل السياسي أحمد الديين إن ما وصفه بعدم كفاءة الإدارة السياسية والاقتصادية لدى الدولة يجعل من الصعب تمرير بعض السياسات التي تعتبرها الحكومة إصلاحات اقتصادية حيث “تنهار” هذه الخطط عندما تصطدم بأول معارضة.
وأكد الديين أن هناك “مقاومة من داخل المجتمع لهذا البرنامج (الحكومي).. لكن عدم الكفاءة هو العنصر الذي يعوق (تنفيذ البرنامج) أكثر من المقاومة.”
وأكد مواطن عرف نفسه بأبي سعود لرويترز أن غالبية الشعب تعارض هذه القرارات معتبرا أن زيادة أسعار البنزين “ليست إلا بداية.”
وقال “هذه القرارات باب لقرارات أكبر.. لو زدت البنزين اليوم ستزيد الكهرباء غدا ثم الماء ثم يأتي دور الرواتب (لتقليصها) والوظائف.. وكل يوم شوية.”
وأضاف الديين أن قدرة الحكومة على مطالبة الشعب بالتضحية وتحمل فاتورة الإصلاح الإقتصادي ستكون دائما ضعيفة دون اتخاذ خطوات جدية لمواجهة الفساد.
وقال فؤاد عبدالرحمن الهدلق الرئيس التنفيذي لشركة الفارابي للاستثمار إن الاتجاه لتخفيض الدعم قوبل برفض شعبي لأن هناك “اشتراطات مبدئية” لابد أن تسير فيها الحكومة وأولها خفض ما وصفه “بالهدر” لاسيما في ملفي مرتبات كبار المسؤولين وملف العلاج بالخارج المثير للجدل في الكويت.
وأشار إلى تجربة السعودية في خفض مرتبات كبار المسؤولين مع مطالبة الشعب بتحمل تبعات الإصلاح الاقتصادي وقال “لا تبدأ (التقشف) من تحت وأنت لا تخفض من فوق.”
وقال الدكتور بدر الملا الاستاذ بجامعة الكويت على حسابه على تويتر “وثيقة الاصلاح الاقتصادي لم يطبق منها وزير المالية سوى البنود المتعلقة بجيب المواطن تاركا البنود الأخرى للنسيان.”
وتمكنت الحكومة الحالية في ظل الهدوء السياسي الذي تمتعت به خلال السنوات الثلاث الأخيرة مع وجود برلمان يوصف بالموالي لها من تنفيذ عدد كبير من مشاريع البنية التحتية لاسيما الجسور والطرق والمشاريع النفطية وترغب في السير قدما في هذا الاتجاه رغم هبوط أسعار النفط.
وفي الوقت الحالي تتحدث الأوساط السياسية ووسائل الإعلام يوميا عن اقتراب حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة لمنع المعارضة التي قاطعت انتخابات يوليو 2013 من الاستعداد جيدا لخوض الانتخابات الجديدة وبالتالي إضعاف فرصها في الفوز بنصيب معقول من مقاعد البرلمان.
كما يقول محللون إن الحكومة لا ترغب في تحميل البرلمان الحالي كل تبعات القرارات والقوانين “غير الشعبية” التي تتعلق بالإصلاح الاقتصادي لإن ذلك قد يضعف فرص النواب في العودة في الانتخابات المقبلة المقررة في صيف 2017.
وطالب الهدلق رئيس شركة الفارابي البرلمان الحالي والمقبل بالتركيز على القضايا التنموية الحقيقية من تشريعات تنموية ومحاسبة المسؤولين وليس “الانشغال لنحو شهر كامل بموضوع خفض الدعم عن البنزين الذي يفرق مع المواطن البسيط ثمانية دنانير في الشهر..نريد الاهتمام بالقضايا الكبيرة.”
يرى المحللون إن الحكومة الكويتية التي ترتكن إلى صندوق سيادي يقدر بأكثر من 600 مليار دولار ويستثمر غالبية أمواله في الخارج لا تشعر بضغط حقيقي لإجراء الإصلاحات الاقتصادية حتى لو تضررت ميزانيتها العامة مؤقتا.
وقال الهدلق إن وجود الصندوق السيادي قد يدعم الإصلاح الاقتصادي لأنه يمثل “الوسادة التي تعطي الكويت فرصة كبيرة لأي اصلاح اقتصادي قد يمتد لسنوات عديدة.”
وأضاف “الكويت وضعها لن يكون خطرا في الوقت الراهن لكن نريد أن نبني نظاما دائما للمستقبل واقتصادا ينمو.. لا نريد أن الدولة تصير دولة فقيرة في المستقبل مقابل أن نعيش نحن سنوات قليلة في بحبوحة.”
وقال الديين إن حسبة ميزانية الكويت يجب أن تتم بشكل صحيح بحيث تحتسب عوائد الاستثمار الخارجي للصندوق السيادي للدولة ضمن بند الإيرادات ولا يتم استبعادها كما هو حادث حاليا.
وأكد الديين أن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي يمكن أن يتم عبر خطوات أخرى من أهمها دعم القطاعات المنتجة وقيام القطاع الخاص بدوره المجتمعي من خلال توفير فرص عمل للكويتيين وفرض ضرائب تصاعدية علي الشركات والبنوك وليس من خلال هذا “البرنامج النيو ليبرالي” للإصلاح.
وقال الديين إن القطاع الخاص يجب أن يدفع ضريبة تصاعدية على الدخل.
وتساءل قائلا “أيهما أعدل الضريبة على الدخل (للأفراد) أم الضريبة على البنوك والبورصة؟