قلم الإرادة

(أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين)

   (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) وفي قراءة لحمزة (أولا ترون). قوله تعالى في سورة التوبة واصفاً المنافقين وكل من في قلبه مرض الى يوم القيامة أنهم يفتنون بشتى أنواع الفتن في العام مرة أو مرتين ولكنهم لا يتوبون ولا يتذكرون، ولم ذاك !  أي لماذا يتأثر المؤمنين بآيات العذاب وتطير قلوبهم للجنة عند سماع أوصافها وتذوب في محبة الخالق عند سماع أوصافه سبحانه ورحماته ولا يحدث ذلك لغيرهم من الكفار أو الذين في قلوبهم مرض من المنافقين وغيرهم ولا يعتبرون بما يحدث ويفسرونه بماديات بحتة، والجواب أن هؤلاء استحقوا ألا يتذوقوا حلاوة الخشوع والتذلل لله تعالى، فقد جعل الله على قلوبهم أكنة وران استحقوه بخبثهم ورفضهم  للحق واتباعهم للهوى،  فتجدهم يفسرون الحوادث وما يجرى لهم بتفسيرات مادية بحتة بعيدة عن تدبير الخالق سبحانه وهو جزء من الفتنة وجزء من الران على القلب. فإن التفسيرات المادية العلمية صحيحة ولكنها مجرد أسباب، ولكن مسبب الأسباب ورب الأرباب هو المدبر وقد وضع قوانين وسنن كونية لا تبديل لها كما قال ربنا عز وجل (ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) فلم يحدث هصاً لهذا ويمرض هذا ولا يمرض ذاك ومن أعدى الأول؟

 وعندما قال النبي لمن معه في إحدى السفرات بعدما امطروا ليلاً  يقول الله عز وجل لكم: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر. فمن قال مطرنا بفضل الله فهذا مؤمن بي كافر بالكوكب ومن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فهذا كافر بي مؤمن بالكوكب. فهذه تفسيرات أشبه بالعلمية وفراسة العرب ولكنها العقيدة الصحيحة التي يربينا عليها ربنا عز وجل ونبينا بهذه القصة وغيرها من السير. بل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا. فمن المسلمين أهل المعاصي بحسب درجاتهم وحسب حجم المرض  والران على القلب تجد أنه لا يشعر بالفتنة والتذكير من ربه. فقد يأتيه بمرض شديد أو فقر وديون أو موت حبيب وقريب أو وحشة تلازمه في قلبه لا يعلم سببها مهما اختلط بالناس. وهو يظن أنه إن استمر بالعيش وتجاوز المرض أو الحزن أو الفاقة بأي وسيلة فإنه على خير وليس بعيداً عن الله وان الله عز وجل راض عنه ويعلل تصرفاته  أنه مجبول على الخطأ وسيغفر له. وهذا خطر كبير فالفارق بين الرجاء والأرجاء شعرة فإن زاد الرجاء تحول لارجاء والعياذ بالله. وليعلم العبد أن معظم النار من مستصغر الشرر. وأحياناً تكون الفتنة بالاستدراج وتركه يفرح ويمرح بكامل صحته وهذا أخطر، قال تعالى (وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا)،  وقال سبحانه (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه) إذن ما السبيل لمعرفه هل نحن على خير أم على ما لا يرضا الله !!!

 

أقول بفضل الله هذا يعرف بعدة أمور: 

 

1- انظر مكانك وما أنت عليه في أوقات ومواسم الطاعات فإن كنت مع أهلها فاحمد الله وإن كنت بعيد فارجع . (مواسم وأوقات الطاعات: الحج. يوم عرفة. يوم عاشوراء.  صلاة الجماعة .رمضان. العشر الأواخر. الثلث الأخير من الليل. أوقات الصلوات الخمس .العشرة من ذي الحجة وغيرها …).

 

2- اعرض على قلبك آيات وصفحات من القرآن وتدبر معناها  فإن دمعت عينك ورق قلبك فاحمد الله وإلا فتباكى حتى يذوب الران واطلب منه وحده سبحانه أن يقبلك من جديد. 

 

3- انظر ميلك في الدنيا لمن ومواقفك مع من فإن أحببت أهل الخير والصلاح والتقوى فاحمد الله والزمهم (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) وإن كنت تحب أهل المجون والفسق والبعيدين عن الطاعة وتميل لهم وتحب مجالستهم فابك على نفسك ولومها وتراجع.

 

4- إن استمريت بلوم غيرك وبالإسقاطات المستمرة وتخرج نفسك من أي خطأ فانت بعيد . وإن لمت نفسك وعاتبتها ودفعك هذا اللوم لهمة عالية وبذل وتغيير إيجابي فاحمد الله . فقد اقسم الله عز وجل بالنفس اللوامة التي تلوم نفسها ولا تسقط الأخطاء على غيرها. (ولا أقسم بالنفس اللوامة).

 

5- راقب الصفات التي يكرهها الله عز وجل فإن كانت فيك أو فيك جزء منها فتطهر ولن تستطيع بنفسك أن تدركها فاستعن بالمخلصين حولك.

 

كان عمر يسأل حذيفة امين السر للنبي على الصلاة والسلام هل عدني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين !! وهو عمر .  وأهم الصفات المكروهة والتي تبعدك عن الله (النفاق وعلاماته معروفه آية المنافق ثلاث …الحديث . ،  والبخل ، والجبن ، والكبر ، الفجور، العقوق… وغيرها ممن ذكره الله في كتابه .) .

 

6- وراقب وابحث عن الصفات التي مدحها الله عز وجل وأحب أهلها وافعلها وأطر نفسك عليها  أطرا ان لك تطعك نفسك في البداية حتى تصبح عندك عادة وسجية (وأهمها: الإخلاص ، والبر ، والكرم ، وحب الناس عموما والصالحين خصوصا ، الحلم والأناة ، الشجاعة في الحق ،  التذلل للمؤمنين والتواضع وغيرها ….مما ذكره لنا ربنا سبحانه ونبينا عليه الصلاة والسلام . ).

 

وختاماً:

 

لا يعلم ما سيختم به عمله . فليكن على حذر وتوبة وإنابة بعد كل ذنب ولا يسمح للران أن يزيد ويغطي قلبه .ووسائل التنظيف كثيرة وسهلة ومواسم الطاعة جمة واوقات الرحمات معروفه ولا يحول بين المرأ وقلبه إلا الله وبسب استهانته برؤية ربه له وهو على ما لا يرضيه، ففروا إليه سبحانه فلا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه .وإنا له وإنا إليه راجعون . وهو غني عنا ويحبنا ويفرح بتوبتنا . فلنحمده سبحانه انه ربنا واننا عبيده. 

 

يحيى الدخيل ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية

 

Twitter: @Aldakheel7

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى