تداعيات السلوك الجامي
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين .. وبعد:
منذ بروز ظاهرة مصطلح “الجامية” والبعض يسميها فرقة، أما البعض الآخر فيسميها جماعة، وهناك من يسميهم “طائفة” أما الأخير فهو بالتأكيد لا يعي مفهوم “الطائفة”، سأحلل ابتداءً ظاهرة الجامية وسأحدد ما هو التصنيف الصحيح لمصطلح “جامية”، ثم سأقرأ بعض التداعيات التي ترتبت على هذه الظاهرة .
نُسبت الجامية إلى الشيخ محمد بن أمان الجامي رحمه الله، وذلك ليس تميزاً لعقيدته ولا لمنهجه وإنما لسلوك كان يستخدمه، وهو أنه كان يرصد من يعتقد أنهم حزبيين وأنهم يخططون بالخفاء وأنهم يبيتون نية الانقلاب، ثم يبلغ عنهم وذلك لإجتهاده أن ذلك يندرج تحت باب “نصح ولي الأمر”، ومع بداية الربيع العربي، ومع رفض السلفيين بشكل عام لمبدأ الثورات، إلا أنه لم يتصدر من السلفيين لإتخاذ بعض التدابير تجاه هذه الثورات من ناحية أو الحراكات الإصلاحية من ناحية أخرى وترتب على هذه التدابير أن صنفهم الناس بالـ “جاميين” إلا مجموعة قليلة أخذت على عاتقها تصدر الموقف بإجتهادهم الشخصي في إطار سلوك الشيخ محمد بن أمان الجامي السابق، إلا أنهم تميزوا بثلاث سلوكيات عُرفوا بها:
1) نقد الأحزاب الاسلامية بشكل حاد.
٢) الدفاع عن ولي الأمر وتحريم الخروج عليه بكل الأشكال سواءً المظاهرات السلمية أو الندوات الاعتراضية بل وتحريم حتى التغريدات الناقدة للحاكم أو السلطة.
٣) الطعن والتجريح في كل شيخ ينتمي لحزب أو جماعة إسلامية، وكذلك الطعن حتى في كل شيخ لا ينتمي لجماعات إسلامية منظمة وإنما فقط أفتى بشيء يخدم بشكل مباشر أو غير مباشر تلك الجماعات الإسلامية.
فإذا ما أردنا تحليل هذه الظاهرة وأردنا أن نصنف الجامية، فإنه لا يمكننا أن نصنفهم بأنهم طائفة لعدم اختلافهم العقدي، وكذلك لا يمكن أن نسميهم جماعة لأنهم أصلاً غير منظمين ويحاربون كل أشكال التنظيم في العملين السياسي والدعوي، كذلك أعتقد أنه لا يمكننا أن نسميهم فرقة لأنهم أصلاً يندرجون تحت أهل الأثر “السلفيين” وهم من أهل السنة والجماعة، وإنما يمكن أن نصنف مصطلح جامي بأنه سلوك يميز بعض السلفيين عن غيرهم من السلفيين، وقد حددت سابقاً سلوكهم الذي امتازوا به وفق اجتهادهم في تجاه ما يجب اتخاذه من تدابير تجاه الثورات والحراكات الإصلاحية.
أما تداعيات السلوك الجامي فهي تداعيات خطرة على الأمة الإسلامية وسأحللها بالآتي:
لا أقصد أنها خطرة بعقيدتها ولا خطرة بمنهجها العام، وإنما المقصود هو خطورة سلوكها وأسلوبها المستخدم، وهو أسلوب الطعن الذي انتقده من قبل الشيخ الألباني والذي كما قال عنه الشيخ ابن عثيمين “أنه لا حاجة لعلم التعديل والتجريح في هذا الزمن” … لأن هذا السلوك والأسلوب كفيل بصدع صف الأمة ويقوي بدوره جانب الفرقة ويهدم محاسن مشايخ الدين الذين قد تتخللهم بعض الأخطاء، مما يجعل الناس لا يستمعون لهم حتى في أمورهم الصواب، ومثال ذلك طعنهم بالشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وطعنهم بالشيخ أبو اسحق الحويني، هذا فضلاً عن طعنهم بمشايخ الإخوان عن بكرة أبيهم، وإن لهذا السلوك آثار صادعة وسلبية على الأمة.
وترتب على ذلك تنافر قلوب المصلحين، ففي السابق كان باب التعاون بين الإسلاميين في المسائل المجمع عليها تعاوناً فعالاً، أما حالياً كل صفوف الجماعات الإسلامية أصبحت تتحامل على بعضها وأصبحت تحمل في نفسها على الثانية، لدرجة أنه انقطعت كل التدابير والطرق التي كان من الممكن أن يتعاون فيها الإسلاميين ويكون لها أثر على المجتمع وعلى الفرد، ومن المعلوم أن هذا التعاون كان أحد أهم الأسباب بعد توفيق الله بحماية المجتمع من التفلُّـت، كما أن هذا الأسلوب قسم المشايخ وفرقهم، وقد قال الله “واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا” ونتج عن هذه الفرقة التي رعاها السلوك الجامي، تسهيل عملية تغريب المجتمع وتغيير ثقافته، وإننا لنرى المجتمع حالياً كيف أخذ يتملص من الهوية الإسلامية بشكل لم تشهده الأمة من قبل، وهذا الأسلوب التجريحي هو أحد الأسباب التي لم تدع للعامة إلا أن يحطوا من قدر كل المشايخ ويلجأوا لأفاهمهم الخاصة ودون دراية بالنصوص، وذلك وفقاً للواقع الذي يعيشه كل فرد لحاله، مما يباين ويغاير حتى بين أفهام الناس والأفراد للدين ويصبح لدينا بدل ثلاث أو أربع مناهج سائدة في المجتمع، ألف منهج فهم مما يسهل عملية دخول الفكر التغريبي بين المجتمع لعدم وجود أرضية يجتمع ويجمع عليها الأفراد، ومما يمهد أيضاً إلى استحالة الاجتماع واستحالة إيجاد صف إسلامي موحد في القضايا المجمع عليها، فغداً إذا ما أرجعوا الخمر على سبيل المثال لا الحصر في الكويت ورأينا الدولة ترعاها لأنها ستكون جزء من دخل الدولة، فإننا لن نجرء حتى لمنع هذا الجرم لأننا أصلاً لا نملك صف إسلامي لديه الحد الأدنى من التفاهم كما كان الحال في الثمانينات، وأختم بأن السلوك الجامي كفيل بحرث المجتمع جيداً أمام التغريب، فالحذر الحذر من تداولتلك الرسائل التي تبث النقد المباشر للمشايخ بأسمائهم لأنهم صمام أمان المجتمع وحماة ثقافة وأعراف المجتمع التي بدأت بالتغير عندما سقطت هيبتهم وانفض الناس من حولهم.
عبد الله خالد الغانم ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @aalghanim11