قلم الإرادة

إرجع يا ناصر

   لم تكن إرادة الشعوب يوماً إلا قراراً حكيماً ينظر إليه العقلاء أنه هو الصواب فيتخذه صاحب القرار سبباً مشروعاً في اعتماده، فتكون بذلك إرادة الشعوب هي البوصلة التي يتوجه بها الحاكم، ليتحقق معها قواعد الديمقراطية النزيهه، التي خرجت من رحم الإرادة الشعبية ليتقبلها صاحب القرار ويأخذ بيدها حتى تنهض وتستقيم، لأنه ليس من الضروري أن تكون الإرادة الشعبية دائما على طريق الهدي، وكذلك ليس من الفطره أن تكون على طريق الضلال في كل جوانبها، وإنما هي في الغالب الأعم تميل نحو الصواب لما في جعبتها من أدلة وحقائق دفعتها لذلك لتحقق ما تصبوا إليه في تحقيق أهدافها المشروعه والتي غايتها، تقويم الاعوجاج الظاهر، والمتمثل في محاربة الفساد المستشرى في البلاد، وأن جميع ذلك يقع تحت نظر صاحب القرار حتى يزنه في ميزانه العادل، فيتخذ ما يراه مناسباً من قرار يصب في المصلحة العامة للبلاد، وإن كانت هناك مصالح جانبيه لبعض الحفنة من الأشخاص، إلا أن المصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة، فانطلقت إرادة الشعب بكلمة الإصلاح وأخذ يرددها كل من اقتنع فيها، فبدأت من إرادة واحدة حتى أخذت تكون عقدة مترابطة من الإرادات الشعبية متعلقة بطرف خيط رفيع عجز عن إدارتها من دعا لها، لما وصلت إليه هذه الإرادة من ثقل كبير، لينقطع بعد ذلك الطرف ليفلت من يده زمام الأمور، لتتدحرج هذه الإرادة الملتهبة على طريقاً مائلاً زاد من سرعتها الغير متزنه دون تحكماً أو موجهاً لها، وأخذت وتيرة الأحداث تتفاقم، تطلب من يتدخل في إيقافها لإنقاذ البلاد، فجاء التدخل سريعاً من صاحب القرار، فقام بموازنة الطريق بميزان عادل لإنقاذ تلك الإرادة الشعبية من الهلاك، لأنها كانت إرادة دون دليل، إرادة فتيه، لم يسبق أن كانت بهذه القوه منذ استقلال البلاد، وإن كانت تلك الإرادة لا تعرف آثار تلك المطالبات إلا أنها أصرت في ذلك وانتهت إلى تحقيق مطالبها (أرحل يا ناصر) ورحل ناصر دون أن يعترض على أحد أو يشوه سمعه أحد أو ينتقم من أحد بل حقق إرادة الشعب في استقالته من ذلك المنصب، وهنا العدالة التي يطلبها الشعب، فانتصرت إرادة الأمة في إنهاء خدمة موظف عام.

 

وتمثلت إرادة تلك الأمة في نوابه في مجلس الأمة متحدون أو منفردون واختصرت تلك الإرادة الشعبية في معادلة رقمية وهي خمسون ضرب واحد أي خمسون نائب ضد رئيس مجلس الوزراء وهي نتيجة منطقية وإن كان ذلك الواحد ذو وزن كبير في الشخصية. وعندها استقرت الأوضاع المتوترة في البلاد في تلك الأيام، وبدء عهد جديد بعد رحيل ناصر المحمد، إلا أن آثار تلك المطالبة انتقلت إلى بعض الدول العربية براً وبحراً وجواً لتردد تلك الشعوب العربية ذات المطالبة ولكن على مستوى أعلى فقوبلت تلك المطالبات بالعنف والاستبداد والمواجهة بالنار من قبل أصحاب القرار في تلك الدول، دون حكمه وحنكه أو رشاد وانقلب المحكوم على الحاكم، ووقع الهرج والمرج، وكثر القتل والنهب، وانتشر الفساد الذي كان محدود، وأيقنت تلك الشعوب أن الوضع في بلادهم أصبح إلى الحضيض وأصبحت تتباكي على الأيام الأول، وكان كل ذلك نتيجة الرعونه التي وقعت من الجانبين، أي من الحكومة والشعب، إلا أن تلك النتيجة جاءت مغايره في البلاد، فأخذ الاستقرار هو سيد الموقف مع حذر من ردة الفعل، فعادت الحياة البرلمانية إلى وضعها الطبيعي، فرجعت الأمة هي الأقوى في مجلسها عام ألفين وأثني عشر ( 2012م) وأنسخت كلمة ارحل من قاموس الشعب، وجاء مجلساً مشرعاً يتصف بالقوه أكثر من ما هو مستبد، في مواجهة السلطة التنفيذية المتخندقه والتي لا تكاد تظهر في مواجهة السلطة التشريعية سوا إخراج فوهة البندقية لترهب بها المجلس والذي اكتشف ذلك التمويه في مراوغتها اليائسة مما صعب على الحكومة مواجهة ذلك المجلس الذي أخذ يزأر على الحكومة عندما يريد تمرير أي مشروع قرار، فأخذت الرهبة واضحة على أعضاء السلطة التنفيذية، إلا أن ذلك الوضع لم يستمر طويلاً، حتى جاء الفرج على يد السلطة القضائية والتي تدخلت، عندما طلب منها بنظر أحد الطعون المقدم من أحد المرشحين في بطلان ذلك المجلس والذي جاء فيه الحكم ملبياً لتلك الطلبات والتي قد سببته المحكمة الدستورية في حكمها، وبهذا أبطل المجلس، وذهب الروع من السلطة التنفيذية، ببطلان الانتخابات في ذلك المجلس، وعلى الرغم من انفصال السلطات الثلاثة، إلا أنهن قد اجتمعن في موضوعاً واحد، فانفصال السلطات لا يعنى أن لا تراقب كل سلطة عمل السلطة الأخرى، متى ما طلب منها أو ألزمها القانون بذلك، وبعد ذلك الحكم القضائي بدأت إرهاصات خطيرة ومخيفة من البعض، فأخذت مصلحة البلاد تعلوا ليراها صاحب القرار هي الأهم، وجاءت الضرورة من صاحب القرار ليأتي مجلس الصوت الواحد تحقيقاً لمصلحة الوطن وشعبة والذي جاءت به إرادة الشعب ما بين مؤيداً ومعارضاً لذلك المجلس إلا أن المصلحة العامة تكمن في حفظ أمن البلاد، ومن بعدها زاد الاحتدام السياسي وعلت الصرخات من قبل الأغلبية في المجلس المبطل، وأخذ التهجم، يصل إلى كل أنحاء البلاد على كل شخص أياً كانت صفته ومركزه، ووقعت المواجهات بين الفريقين البرتقالي والأزرق بالأقوال والأفعال، وأخذت الأمور أكثر تعقيداً من ذي قبل ورجع الجميع إلى القضاء ليأخذ مجراه في تطبيق القانون، ومع كل هذه الأحداث، لم نسمع لناصر المحمد أي صوت سلبي أو تصريح ايجابي في تلك الأحداث، إلا زيارة لبعض الأفراح أو حضور حفل أقيم على شرفه من بعض المواطنين، إلا أن هذا لا يعنى أن ناصر المحمد كان في عزله من أمره ولكن سلك طريق الصمت لكي يثبت بأنه برئ مما نسب إليه من فساد والدليل أن الفساد مازال مستمر وهو خارج الحكومة.

– ولكن السؤال الذي يصعب أن يطرح هو من استطاع أن يعكس المعادلة التي أخرجته من الحكومة في كل حنكه ودون انفجار وحقق ما يريد وكما يقال بالقانون ودون تدخل مباشر منه؟

 

– وفي نهاية المطاف نجد بأن قوة الواحد عادلت قوة الخمسين، لذا فإن رجوع ناصر المحمد للحكومة ضرورة ولكن مرتهنة بوجود مجلس ذو أغلبية حتى يتساوي ميزان القوى.

 

حمود الكليب ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى