قد لا تحـصل على مـا تريد في النهاية
نحلمُ كثيراً بتحقيقِ أمورٍ قد نعجزُ عنها في الحياة الواقعيةِ ,
فالكثيرُ قد تمنى بأن يكون طبيباً وآخرُ أراد أن يكون جراحاً في مضمارٍّ طبيٍّ ما ..
وقد ينتهي به المطافُ في عالم الرسومات الهندسية أو رُبما عالم الرقميات الحاسوبية !
فهذه هي سُنة الحياة وفوارض الطبيعة .. قد لا تحصلُ على ما تُريد في النهايةِ ..
في أول كأس عالمية 1930 والتي بُنيت على أساس دعوات كونها كانت بدائية ,
وصل الألبسيليستي المعروف بإسم التانغو الأرخنتيني والسيليستي المعروف بإسم الإرغواي ,
فكلاهما قد إقتتلا على أمرٍ ظريفٍ وغريبٍ ..
فقد كان النزاعُ على الكرة التي سوف تُلعب في النهائي !
لعبت الأرخنتين في الشوط الأول بكرتها وتقدمت بهدفين مقابل هدف وفي الشوطِ الثاني
سجلت الإرغواي ثلاثة أهداف متتالية لتحسم تحقيق أول بطولات العالم !
مع العلم بأن الأرخنتين كانت أقوى منتخب هجومي تليها الإرغواي إلا أن خط دفاع الأول ليس كالأخير .
ما بعد هذه القصة بعشرين عام , أيّ في عام الماراكانا الحزين 1950 كان أصحاب الأرض
قدموا بطولة عظيمة وكان يكفيهم التعادل بأيّ نتيجة كانت للجوء إلى فارق الأهدافِ ..
إلا أن هدف شيغيا في الدقائق العشر الأخيرة من المباراة قتل هذا الحُلم وحرم أفضل هجومي
في تلك البطولة من تحقيق حلمها ومعانقة الذهب لأول مرةٍ !
وليس ببعيدٍ عن حروبِ إدولف هتلر التي نتجَّ عنها رياضة هشّة ممزقة الأحذية ( أكرمكم الله )
وبأسماء لا تملكُ ذات الصيت الهائل كالذي طغى في كتيبة بوشكاش ورفقاه الهنغارِ ( المجرّ )
ألمانيا الغربية قد هُزِمَتْ بنتيجة تاريخية بل وعظيمة جداً من الكتيبة الهنغارية ,
إلا أن قصة الحذاء ( أكرمكم الله ) كان لها من الفضل ما كان وقتلت الكتية الهنغارية
التي كانت أفضل منتخب بجميع المقاييس الرياضية في تلك البطولة !
بل إن الملايين من الأنام يصنفون مجرّ 54 على أنها أعظم مُنتخب كرويّ على مرِّ العصورِ !
فلم تُنصِفْ الحياة كل ما قدمه بوشكاش ورفقاؤه طوال الأعوام الرائعة في المستطيل الأخضرِ
ما بعد هذه الطفرة الهنغاريةِ , بكل هدوءٍ جيّل آخر يافع من البرازيليين يلتهم القارة الأوروبية
واللاتينية على التوالي , نتجَ عنها الملك بيليه وأفضل جناح على مرِّ العصور جارنشيا ولا ننتقص
من الأسماء البرازيلية العظيمة المجاورة شيئاً , فلم تستطعْ بحارة السويد أن تردع هذا الجيّل ,
ولم تستطعْ تعويذة التشيلي بشرب القهوة البرازيلية بكسر سحرّ ومهارة جارنشيا ,
حتى عادت ألمانيا الغربية إلى الواجهة وبتواطئ إنجليزي سافر وصارخ جداً بإخراج أقوى المنافسين
كالبرازيلي المذكور سلفاً , وإرهاق البرتغال سفراً , وإحتساب هدفاً غير شرعياً أضاع آمال الجيرمان
في تعليق النجمة العالمية الثانية , لتكون هذه القصة بمثابة تحقيق الثأر من الإنجليز
في معاقل وملاعب القبعات الكبيرة حيثُ تلذذ بيليه وجارزينهو ورفقاؤه بالتلاعب بالإنجليز
وأكملت ألمانيا الغربية نفس الوتيرة لتُخرجْ حامل اللقب المسروق من الدور الثانيّ ,
إلا أن الحُلم الألماني سُرعان ما إنتهى بعد مُباراة صنفت على أنها مباراة القرن ضد العدو الإيطالي الشهير !
ليعود الملك بيليه ويُشكل الهرم البرازيلي الأول في التاريخ ولتختفيّ قرابة ربع قرنٍ عن هذا المكانِ
وفيمَ كان البرازيليون يبحثون عن ضآلتهم إستطاع الجيرمان من كسرّ طموح الطواحين بمن فيهم القائد
التاريخي للكرة الهولندية الشاملة يوهان كرويف والذي تجرّع الهزيمة الكبيرة في معقل الجيرمانِ !
لتدخل كُرة القدم القسم الثالث والأكثر حرجاً بإستقطاب بلد يُعاني من الحُكم الدكتاتوري العسكري
في الأرخنتين ليصل رفقاء كرويف وليس كرويف نفسه إلى مواجهة أصحاب الأرض بعد وصول سلسلة من الفضائح
السياسية والقمحية ورُبما المادية الصارخة إلى عنان السماءِ .. فلم يستطعْ روزبينزرينك ولا غيره
من البرتقاليين أن يحققوا ما سعى إليه كرويف سابقاً ..
أما في الثمانينات بعد أن وصلت الكُرة إلى ذروة المهارة الفردية والأسماء الكبيرة بجميع الأطيافِ ,
كان للحظِّ الألماني نصيبُ الأسدِ في ذلِكَ !
فبعد أن أطاحت إيطاليا بمنافسيها الأرخنتين والبرازيل , وكذلك فعلت ألمانيا مع فرنسا وإسبانيا
إلا أن الجيرمان فشلوا ( كالعادة ) في إدارة النهائي لصالحهم وخرجوا بفضية هي الأولى لهم !
ولتكرر نفس القصة تماماً مع نهائي الأرخنتين حيثُ كان كُل شيء من الممكن أن يحدث
لولا تمريرة مارادونا التي أصابت الجيرمان في مقتلٍ وتسببت بهزيمتها بثلاثية مقابل هدفين !
لتستمر الحالة المؤسفة للناسيونال مانشافات قبل أن يتكفل القيصر الألماني فرانز بيكنباور
من حلّها بصورة أكثر من ممتازة وضد نفس الخصم الأرخنتيني وليرد الصاع صاعين أداءً ونتيجةً ,
وفي ظلِّ إنتهاء العُمر الإفتراضي للجيّل الألماني عاد جيلٌ برازيلي هولنديُّ آخر رائع للواجهةِ
البرتقالي كان يفخرُ بأسماء عظيمة ورنانة خوليت , ريكارد , فان باستن , دينس بيركامب ,
الشاب فان دير سار وآخرون .. ونفس النمطِ مع برازيل روماريو ورونالدو ..
فالبرتقالي الرائع ولسوء حظه إصطدم بالسحرّة في الأدوار المتقدمة لدورتين على التواليِ !
لتكون الهزيمة عنواناً حقيقاً لهذا الجيل البرتقالي ,,
ولينتهي به المطاف بعيد عن مونديال القارة الصفراء !
أما عن حالتيّ كرواتيا وتركيا الشاذتيين ولنقلْ بأنهما الحصانيين الأسودين في 98 و 2002
أعتقدُ بأن الأول ظهرَ على حساب الكبارِ ولم يكنْ محظوظاً كفاية كما هو الحالُ مع الأتراكِ !
فإن كانت كرواتيا قد وصلت إلى النهائي وفازت به أو خسرت فهي تستحقُ ذلك !
أما عن تركيا فإن كانت وصلت للمربع الذهبي فهي تستحقُ الوصول ليست لإنها الأفضل بل لإن الطريق كان أسهل !
وحديثاً عن القارة الصفراءِ قد لا نستطيع أن نتجاهل بأن سوء طالع الألمان ساهم في فضية جديدةٍ ..
ورُبما لو كان الفريقُ ناضجاً كفاية وكامل الأعمدةِ لكان الفوز أصعب عليهم بكثيرٍ مما كان ,
أما عن إنقلاب المُعادلات الراسخة لسنين طويلة , فبدا بأن الخبرة والتكتيك بالأزرق الإيطالي الفرنسيّ
قد غلب النزعة الهجومية الشهيرة للكرة البرازيلية الأرخنتينية وأخرجهم من مضمار العالمِ ,
فكانت فرنسا الأفضل في طريقها ومستواها إلا أن التاريخ قد أعاد ذكريات يورو 2000 وتبادل الإيطالييون
أماكن الفرنسيين في الفوزِ فربح الأول وخسر الأخيرُ ,
وختاماً عن أسوأ مونديالات العالم في بلاد الأفارقةِ , لا يسعني أن أقول للناسيونال مانشافات شكراً لأدائكم
وسُحقاً لحظكم السيءِ ( كالعادة )
أما عن البرتقالي فيجب أن أؤكد على أنه يستحق اللقب الذي لطالما عُرِفَ عنه ..
وبُكلِ جدارةٍ .. أنت البطلُ الغيرّ متوجٍ كما سبقت وأن فعلَتْ عشرات الألاف من البرامج والمحطات الرياضية .
لهذا لطالما وجدتُ في كُرةِ القدم بأن الأفضل دائماً لا يفوز والشواهد كثيرة , والأسوأ دائماً لا يكون صيداً سهلاً ورُبما يكون محظوظاً والشواهد كثيرة أيضاً ..
لذلك قد لا تحصلُ على ما تريدُ في النهاية .
فهد الفضلي – كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @Fahad_Fenomeno