محليات

الحزن والبكاء خيّما على مجالس العزاء في ذكرى فاجعة كربلاء

خيم الحزن وساد السواد وتعالت الأصوات بالنحيب وتحشرجت الحناجر بالبكاء في مجالس ذكر أهل البيت عليهم السلام بالحسينيات والمساجد منذ الساعة الثامنة صباح أمس وحتى إلى ما بعد صلاة الظهر بعد ليلة كاملة أحيوها بالتجهيز لعزاء أهل بيت النبوة والمعزين في ذكرى فاجعة يوم العاشر من شهر محرم الحرام والتي حدثت عام 61 هجريا وهو يوم واقعة الطف الأليمة بأرض كربلاء، وما أحاط يومها من مصاب بسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ومن تبعه من أصحابه الغر الميامين وأهل بيته الطيبين الطاهرين وعوائلهم التي أثكلت بتلك الفجيعة.

وقد اعتلت معالم وملامح الحزن العميق والأسف على جباه من قدموا لأداء مراسم العزاء بوجوه ارتسم عليها الحزن الشديد مرتدين الملابس السوداء شيبا وشبابا، صغارا وكبارا، كدلالة على عمق حزنهم وأسفهم الشديد على ما حدث في مثل هذا اليوم لحفيد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، الإمام الحسين عليه السلام وما أصابه هو وأهل بيته وأصحابه، حيث امتلأت العيون بالدموع في جميع الحسينيات وتعالت صرخات الأنين حسرة على ما وقع بأرض كربلاء من كرب وبلاء وظلم وعطش في هذا اليوم القاسي على قلوب المؤمنين.

وتمثلت مراسم العزاء بالبدء بتلاوة القرآن الكريم ثم قرأ خطباء المنابر الحسينية ما حدث في واقعة الطف في كربلاء وأي ظلم وجور وقع لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكيف كان حالهم في مثل هذه السويعات، فلم يجد الحاضرون لإحياء العزاء إلا فيض الدموع واللطم على الرؤوس والصدور ليفرغوا ما بداخلهم من أحزان وآهات لما جرى للحسين عليه السلام وأصحابه عليهم السلام وعائلته وبعدها توجهت الجموع الغفيرة بالدعاء والتوسل لله عز وجل في هذا اليوم.

وقد أكد خطباء المنابر الحسينية ان الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه قضوا ليلة العاشر من المحرم بالصلاة والدعاء، وقراءة القرآن، وكان لهم دوي كدوي النحل، كما كانوا يصلحون سيوفهم ورماحهم، استعدادا للقاء الله تعالى عند استشهادهم وقد طلب الإمام الحسين عليه السلام في صباح اليوم العاشر إتماما للحجة على أعدائه من جيش يزيد، أن ينصتوا إليه لكي يكلمهم، إلا أنهم أبوا ذلك، وعلا ضجيجهم، وفي النهاية سكتوا، فخطب فيهم معاتبا لهم على دعوتهم له، وتخاذلهم عنه.

كما حدثهم عليه السلام بما سيقع لهم بعد قتله على أيدي الظالمين، من ولاة بني أمية، مما عهد إليه من جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأبيه أمير المؤمنين عليه السلام، وهو ما تحقق فعلا.

وخص في ذلك عمر بن سعد، الذي كان يزيد يمنيه بجعله واليا وبأن حلمه ذاك لن يتحقق، وأنه سوف يقتل، ويرفع رأسه على الرمح.

وأشار خطباء المنابر الحسينية إلى أن الأمام الحسين عليه السلام عاد يوم العاشر مرة أخرى على ظهر فرسه، ووقف أمام الجيش الأموي، وخاطبهم قائلا: «أما بعد، فانسبوني فانظروا من أنا؟ ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يحل لكم قتلي؟ وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وسلم، وابن وصيه وابن عمه، وأول المؤمنين بالله، والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي؟ أو ليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي؟ أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة».

فلم يستجب له أحد، ثم خاطبهم عليه السلام قائلا: «أما ترون سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولامة حربه وعمامته علي»؟ قالوا: نعم.

فقال عليه السلام: «لم تقاتلوني»؟ أجابوا: طاعة للأمير عبيد الله بن زياد.

وبين خطباء المنابر الحسينية أن الشيطان استحوذ على عمر بن سعد قائد الجيش فوضع سهمه في كبد قوسه، ثم رمى مخيم الإمام الحسين عليه السلام، وقال: اشهدوا أني أول من رمى، فتبعه جنده يمطرون آل الرسول صلى الله عليه وسلم بوابل من السهام.

فعظم الموقف على الإمام الحسين عليه السلام، ثم خاطب أصحابه قائلا: «قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بد منه، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم» فلبوا (رضوان الله عليهم) النداء، وانطلقوا كالأسود يحاربون العدو، فاستمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء.

وبدأ أصحاب الحسين عليه السلام يتساقطون الواحد تلو الآخر، وقد أرهقوا جيش العدو، وأثخنوه بالجراح، فتصايح رجال عمر بن سعد: لو استمرت الحرب بيننا، لأتوا على آخرنا، لنهجم عليهم مرة واحدة، ولنرشقهم بالنبال والحجارة.

واستمر الهجوم والزحف نحو من بقي مع الإمام الحسين عليه السلام، وأحاطوا بهم من جهات متعددة، فتعالت أصوات ابن سعد ونداءاته إلى جيشه، وقد دخل المعسكر يقتل وينهب، ويقول: احرقوا الخيام.

فضجت النساء، وتصارخ الأطفال، وعلا الضجيج، وراحت ألسنة النار تلتهم المخيم، وسكانه يفرون فزعين مرعوبين، فلم يهدأ سعير المعركة، وراح من بقي من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته، يستشهدون الواحد تلو الآخر.

فاستشهد ولده علي الأكبر واخوته، وأبناء أخيه وابن أخته، وآل عقيل وآل علي عليه السلام، مجزرين وهم يتناثرون في أرض المعركة.

وكذا بدأ شلال الدم ينحدر على أرض كربلاء، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حناجر النساء والأطفال.

فركب الإمام الحسين عليه السلام جواده، يتقدمه أخوه العباس عليه السلام، وتوجه نحو نهر الفرات، ليحمل الماء إلى العيال، فحالت حشود العدو دونه، فأصبح هو في جانب وأخيه في جانب آخر.

وكانت للبطل الشجاع أبي الفضل العباس عليه السلام صولة ومعركة حامية، طارت فيها رؤوس، وتساقطت فرسان، وهو يصول ويجول في ميدان الجهاد، بعيدا عن أخيه، حتى خر صريعا سابحا بدم الشهادة.

وتعلق قلب الإمام الحسين عليه السلام بمخيمه، وما خلفت النار والسيوف بأهله وحرمه.

فراح عليه السلام ينادي، وقد طوقته قوات الأعداء وحالت بينه وبينهم، فصاح بهم: «أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني، والنساء ليس عليهن جناح، فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا».

إلا أنهم استمروا في هجومهم على المخيم، ولم يعبأوا لكلامه عليه السلام.

فاستمر الهجوم عنيفا، والإمام عليه السلام منهمكا في قتال أعدائه، إلى أن سدد له أحد الأجلاف سهما، واستقر في نحره الشريف، ثم راحت السيوف والرماح تنزل عليه كالمطر الغزير.

فلم يستطع عليه السلام مقاومة الألم والنزف، فوقع على الأرض، ولم يكفوا عنه، لأن روح الحقد والوحشية التي امتلأت بها جوانحهم لم تسمح بذلك.

بل راح الملعون شمر بن ذي الجوشن، يحمل سيفه ليقطع غصنا من شجرة النبوة، وليثكل الزهراء (عليها السلام) بأعز أبنائها، ففصل الرأس الشريف عن الجسد، ليحمله هدية للطاغية يزيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى