محليات

مرور 50 عاما على انتاج تلفزيون الكويت لأول فيلم سينمائي قصير

قبل 50 عاما من اليوم سجل قسم السينما بوزارة الاعلام انتاج فيلم (العاصفة) الذي يعد من اولى المحاولات السينمائية الكويتية الجدية اذ تم انجازه عام 1965 بأيد كويتية رغم ضعف الامكانات وتواضع الخبرات حينذاك.
وفيلم (العاصفة) يعتبر من الافلام القصيرة اذ لا تزيد مدته عن 27 دقيقة وهو من انتاج تلفزيون الكويت وتم تصويره عام 1965 بالتقنية المتوافرة في ذلك الوقت (بالابيض والاسود) واخرجه الاعلامي ووزير الاعلام السابق محمد السنعوسي وكتبه الراحل عبدالامير التركي.
وركز الفيلم الذي قام ببطولته الفنان المخضرم عبدالحسين عبدالرضا والفنانان الراحلان خالد النفيسي وجوهر سالم في احداثه على توثيق حياة الغوص والبحر والصيد والفنون الشعبية لاسيما الفن البحري ورقصاته التي ادتها في الفيلم فرقة بن حسين لينتقل بعدها الى فترة ما بعد ظهور النفط والتطور الراديكالي الذي طرأ على المجتمع الكويتي لاسيما في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي.
وجسد الفنان عبدالرضا شخصية الاب الذي عاصر ايام الشقاء ورحلات الغوص على اللؤلؤ والسفر وايمانه بأهمية اتقان العمل والسعي الى توفير لقمة العيش فيما ادى الفنان الراحل خالد النفيسي دور الابن الذي باشر وعيه على كويت ما بعد اكتشاف النفط ووقع في سحر الحياة الجديدة والتطور المتسارع.
وترمز (العاصفة) التي اطلقت على الفيلم للتطور الذي عصف بالبلاد بعد ظهور النفط وخاصة في جوانبه السلبية كاهمال قيم العمل بين الشباب الناشيء ليدور خلال مجريات الفيلم حوار تحريضي بين الاب وابنه يحثه الاب فيه على عدم الانبهار بالتطور والتمسك بمباديء العمل الذي عرف بها الاباء والاجداد من خلال تكراره للمثل الكويتي “عتيق الصوف ولا جديد البريسم”.
ورغم مرور نحو نصف قرن من بداية حركة السينما الكويتية يلاحظ المتابع انها لا تزال في مراحلها الاولى حيث تقتصر على الجهود الفردية للمخرجين الوطنيين لتنكشف حاجتها الماسة الى وجود جهة داعمة تساعدها على النهوض والتطور ومواكبة الصناعة السينمائية العربية والعالمية.
وفي هذا الصدد قال المخرج الكويتي وليد العوضي لوكالة الانباء الكويتية (كونا) ان السينما هي وجهة حضارية للكويت غير ان توقف المخرجين الكويتيين الرواد الذين اخرجوا اوائل الافلام الوثائقية والروائية والقصيرة عن العمل بهذا المجال من جهة وتدمير المعمل والاجهزة السينمائية خلال العدوان العراقي على دولة الكويت عام 1990 من جهة اخرى خلق فجوة لغياب “فرشة” او اساس للافلام السينمائية الكويتية.
واعتبر العوضي ان غياب السينما الكويتية يعود ايضا لعدم تبني السينمائيين الكويتيين ورعايتهم من قبل جهة رسمية سواء وزارة الاعلام او المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب او هيئة حكومية مستقلة او حتى وضع اسس اولية لبناء صناعة سينمائية والاستثمار في انتاج الافلام.
وأوضح ان الساحة المحلية تفتقر “الى يومنا هذا” لجهة حكومية او مستثمر من القطاع الخاص يقتحم هذه الصناعة عبر بناء (استيديو) خاص بالانتاج السينمائي وتوظيف اجيال من خريجي كليات الاعلام بمختلف التخصصات كالتصوير والمونتاج والاضاءة والصوت والاخراج على غرار “من قامت به هوليوود في بداياتها”.
واشار العوضي الى ان بريق التلفزيون سرق المهتمين بصناعة السينما وذلك لسهولة العمل به وانخفاض كلفة الانتاج التلفزيوني مقارنة بالانتاج السينمائي.
وشدد على ضرورة انشاء هيئة لدعم السينما اسوة بدول خليجية شكلت كيانات متخصصة مثل (معهد الدوحة للافلام) و(ابوظبي للافلام) و(دبي استيديو سيتي) لانتاج الافلام مع الاهتمام باقامة المهرجانات السينمائية كمهرجان دبي للافلام.
وقال ان هذه الدول وضعت الاسس اللازمة للبنية التحتية لاقامة صناعة سينمائية نشطة ووضع شروط ومعايير عالمية لصناعة الافلام وفتح المجال امام السينمائيين العالميين للاستفادة من خدماتهم وخبراتهم مقترحا انشاء معهد عالي للسينما على غرار المعهد العالي للموسيقى واضاف العوضي في هذا الاطار ان اغلب المخرجين الكويتيين انشأوا مؤسساتهم الخاصة للانتاج السينمائي “ولكن من الاولى” ان تضع الدولة على غرار صندوق دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة صندوقا استثماريا خاصا لدعم المشاريع الثقافية والفنية وعلى رأسها المشاريع التلفزيونية والسينمائية والمسرحية غير انه “لا توجد الى الان” بوادر لبناء بنية تحتية للسينما الكويتية لخلق صناعة سينمائية حقيقية تشجع القطاع الخاص على الاستثمار فيها.
كما اعتبر الافلام السينمائية نوعا من انواع العلاقات العامة والتسويق الثقافي للدول من خلال عرضها في مهرجانات عالمية ومنافستها على الجوائز.
من جهته قال مخرج الافلام الوثائقية الكويتي عبدالله المخيال ل(كونا) ان الفيلم الوثائقي احد اهم انواع الافلام لانه توثيق مصور لحياة الشعوب وتراثها وامتداد لكل مجالات الحياة المعاصرة لكن مخرجي هذا النوع من الافلام يعانون بسبب عزوف المنتجين عن تمويل الافلام الوثائقية والاتجاه الى الانتاج التلفزيوني بحثا عن الربح السريع.
واوضح المخيال ان اعداد الافلام الوثائقية يكون مكلف لما يتطلبه من وقت للبحث وتقصي المعلومات كما ان تصويرها يتطلب التنقل والسفر لمناطق قد تكون نائية مع وجود فريق عمل متكامل “وهنا تأتي ضرورة دعم الحكومات او مؤسسات الانتاج لتغطية تكاليف الانتاج والتسويق للمواد الفيلمية”.
واكد المخيال ضرورة الاهتمام بمثل هذه الافلام وتقديم الدعم لها لانها تمثل وجه الكويت الفني والثقافي من خلال مشاركتها في مهرجانات الافلام العربية والدولية المختلفة. بدوره قال المخرج الكويتي خالد الصديق في كتاب (الثقافة في الكويت منذ بداياتها حتى الان..مسح علمي شامل) الذي اعده وحرره الدكتور محمد يوسف نجم ان انتاج الافلام كان في السابق من مهام دائرة المعارف (وزارة التربية لاحقا) التي قامت عام 1950 بتأسيس (قسم السينما والتصوير) وانتجت منذ ذلك الوقت نحو 60 فيلما وثائقيا عن التعليم والصحة وغيرهما من أمور تتعلق بالحياة في الكويت وتطرق الصديق في الجزء الثالث من الكتاب الى محاولات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في عام 1959 للانتاج السينمائي حيث كان ذلك ضمن رعايتها للحركة الفنية في الكويت كالفنون الشعبية والمسرح ورقابة الافلام السينمائية.
كما تناول مباشرة وزارة الارشاد والانباء (وزارة الاعلام حاليا) منذ عام 1961 حمل مسؤولية العمل السينمائي لتنهي بذلك دور وزارة الشؤون في انتاج الافلام ثم ينتقل النشاط السينمائي الى تلفزون الكويت في عام 1964 عبر انشاء (قسم السينما) الذي قام بانتاج اغلب الاعمال السينمائية الرائدة في الكويت على الرغم من امكانياته المحدودة قبل ان يتحول في عام 1981 الى قسم (مراقبة السينما).
وحسب الصديق الذي اخرج اول فيلم روائي كويتي ان تلفزيون الكويت وبعد انتقاله الى مجمع الاعلام في بداية ثمانينات القرن الماضي جهز بمعامل تحتوي على احدث الاجهزة والمعدات في التحميض والطبع والصوت والتصوير والتصنيع للافلام السينمائية وكانت الطاقة الانتاجية لها تتراوح بين 20 الى 30 فيلما سينمائيا طويلا سنويا الى انه تم السطو عليه اثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990.
وعن تاريخ الافلام السينمائية ذكر ان اول فيلم تسجيلي صور في الكويت كان في عام 1939 من قبل الرحالة الاسترالي آلن فلييرز بعنوان (أبناء السندباد) الذي تناول الغوص والصيد وبعض ملامح البيئة الاجتماعية في الكويت بينما كان فيلم (الكويت بين الامس واليوم) اول فيلم تسجيلي كويتي الاخراج نفذه المخرج الكويتي محمد قبازرد عام 1946 والذي يسلط الضوء على بدء ضخ النفط من ميناء الاحمدي وبداية التطور والتنمية في البلاد.
وعن فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينات من القرن الماضي اوضح الصديق انها فترة انتاج العديد من الافلام السينمائية القصيرة والروائية الكويتية واشهرها فيلم (بس يا بحر) للمخرج الصديق نفسه اذ حصل الفيلم على جوائز عربية ودولية عدة خلال مشاركته بمهرجانات السينما.
وقال مخرج (بس يا بحر) ان كل المحاولات في مجال انتاج الافلام الكويتية كانت محاولات فردية خاصة وبامكانات شخصية متواضعة اما الرأسمال الكويتي الخاص فهو “لا يؤمن بالاستثمار في الافلام الكويتية ولا خدمة هذه الصناعة” مطالبا باستثمار الدولة الداخلي في مجال الافلام الروائية الطويلة وتقديم الدعم المادي الاولي الذي يؤهل السينما الكويتية للوقوف على قدميها في بادىء الامر كسائر دول العالم.
ومن بين انتاجات تلك الفترة فيلم (الشاهين) للمخرج خالد الصديق ايضا وهو انتاج مشترك بين الكويت والهند وايطاليا وفيلم (الصمت) للمخرج هاشم محمد الشخص و(اريتيريا) لعبدالله المحيلان و(القرار) لعامر الزهير وغيرها من الافلام.
وفي هذا السياق اتفق اختصاصيون في مجال السينما على ان السبب الرئيسي لجمود السينما الكويتية وتواضع انتاجها يرتكز بالدرجة الاولى على غياب الدعم المادي للانتاج السينمائي الوطني الامر الذي يتطلب رعاية الدولة لايجاد مصادر تمويل بديلة عبر خلق بيئة مشجعة امام القطاع الخاص وصناديق الاستثمار لتمكين هذه الصناعة من انطلاقة جديدة واعدة.
واعتبروا ان وجود مثل هذه البيئة المشجعة يتطلب قيام هيئة حاضنة للمعنيين بالسينما قادرة على ترسيخ دعائم الصناعة السينمائية الكويتية ورسم اطار عملها وفتح سوق جديدة مشجعة للاستثمار في هذه الصناعة.
وفي المحصلة ورغم تواضع الانتاج السينمائي الكويتي وغياب صناعة حقيقية للسينما بسبب عدم توافر دعم مجزي او شركات انتاج قادرة على تمويل مثل هذه المواد الفيلمية والسنيمائية الا انه لا يمكن تجاهل المحاولات الاولى لهذه الصناعة من قبل المخرجين الرواد الذي وضعوا بصماتهم بانتاج افلام خالدة.
ولعل الطريف هنا ان التجارب السينمائية الكويتية تقاسمت في معظم الافلام طرح موضوعات تتصل بالواقع الكويتي (ما قبل النفط) وكانما نذرت السينما الكويتية نفسها للحفاظ على صور ومظاهر زالت من الواقع ولكنها “تحيا في ذاكرة مخرجيها ومصوريها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى