عزيمة قتل
أنعم الله علينا بفضله وبكثير من النعم التي لا تعد ولا تحصى، والتي وجب شكر الله عليها بحفظها وصيانتها حتى تزيد تلك النعم ولا تزول، ومن مظاهر زوال النعم الإسراف غير المبرر في إعداد وجبات الطعام في المناسبات الاجتماعية ومدى النفاق الواضح للتباهي أمام الناس رياء وسمعة والتعالي عليهم، مما يؤدي إلى التبذير وترك الطعام الزائد عن الحاجة ورميه في سلة القمامة، وهذا تبذير واضح وخطأ كبير.
قال سبحانه وتعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، فلا يجوز الإسراف بتاتاً في زيادة الطعام، حيث أن الكرم يختلف عن الإسراف وإن شر أنواع الإسراف إقامة الولائم ويدعى لها أغنياء القوم وأصحاب المناصب والوجاهة ويحرم منها فقراؤهم وضعفاؤهم، ويلقي بالكثير من الأطعمة في سلات القمامة بدلاً من أن يشبع فيها أهل الحاجة في مناطق المجاعة.
إن عواقب الإسراف وخيمة ويحكي أن «أبو عبدالله الزغل» من آخر ملوك غرناطة الأندلسية باع أملاكه فيها بعد أن استولى عليها النصارى، وحمل مالاً عظيماً قدر بخمسة ملايين من العملة المعروفة آنذاك ورحل إلى أفريقيا فقبض عليه وصودرت أمواله، وسملت عيناه ورمي في السجن بسبب بيعه غرناطة للنصارى وتخليه عنها، ولما خرج من السجن لم يجد من يطعمه ويؤويه فأخذ يستعطي الناس في الأسواق ويطوف وعلى ثيابه رق غزال مكتوب عليه: «هذا سلطان الأندلس العاثر المجد» لعل من يراه يرحمه ويعطيه بعض المال.
إن ما يحدث الآن من «عزايم» الأكل هي تعتبر جرائم قتل للنعم وليست «عزايم» بسبب الإسراف الذي يغضب الرب سبحانه وبه قد تزول النعم فعلينا الحذر كل الحذر، واللبيب من اتعظ بغيره.
اللهم أدم علينا نعمك واحفظها من الزوال وابعد عنا التبذير والإسراف، ونحمد الله حمداً يليق بجلاله ونجزل الشكر له سبحانه والامتنان على فضله.
**
دالي محمد الخمسان ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @bnder22