قلم الإرادة

لكل زمان دولة ورجال

   الأرض تستمرُ في الدورانِ والزمنُ لا يزال يسير في خطى ثابتة 

حاملاً في طياته العديد والعديد من الأحداث والقضايا الرياضية في شتى بقاع الأرض.

 

قد يختلف عشرات الملايين من مُتابعي كرة القدم في شأن الأفضل عبر التاريخ، وهذا أمرٌ شائعٌ في البلاد العربية قبل أن يكون شائعاً في البلاد الغربية، فأصحاب الجيل السبعيني لم يستطيعوا أن يكون من المُعاصرين للجيل الخمسيني أو الستيني، وكذلك نفس المسألة مع الجيل الثمانيني والتسعيني ختاماً بجيل الألفية الجديد، إذا ما عدنا إلى الوراء واستطعنا تقسيم عصور كرة القدم يمكننا أن نستنتج أكثر العصور قوة وتفوقاً عن بقيتها، هناك مميزات وعيوب لكل زمن وهذا أمرٌ شائعٍ في كُلِ مضمارٍ ومجالٍ كان..

 

فقبل انطلاقة كأس العالم في 1930 لم يكنْ هناك بطولة عالمية تجمع المجتمعات الدولية إلا بطولة الألعاب الأولمبية التي كانت بدورها بطولة بمثابة كأس عالم في ذلك الوقتِ ولنا في غلالة منتخب الإرغواي (السيليستي) خيرُ مثالٍ على ذلك، فمنتخب الإرغواي يضع في غلالته أربعة نجوم رغم إنه حقق كأسي عالم في مسيرته الرياضية متمثلة بموندياليّ 1930-1950 إلا أن الحقيقة أن منتخب الإرغواي قد فاز بميداليتي أولمبياد قبل بطولة العالم!

 

وهذا يعني أن السيليستي هو المنتخب الوحيد في المعمورة المنفرد بهذا الإنجاز الفريد!

 

بعد ابتكار ما يُسمى ببطولة كأس العالم والتي حملت إسم جول ريميه في ذلك الوقت كونه إستطاع ابتكار بطولة كأس العالم كان الأمر مُختلفاً عن هذا الوقتِ, فالكؤوس الأولى الثلاثة كان لها من التدخل السياسي ما كان وجدول المسابقة قد بُنيَّ على الدعوات أيّ أن لغة التصفيات لم تكنْ حاضرة في ذلك الوقتِ، أما ما بعد الحرب العالمية الثانية إختلفت الأمور كثيراً وتحسنت، فكانت الإنطلاقة الحقيقية لكرة القدم من قلب الماراكانا فبعد أن تسمرَّ المئتي ألف متفرج في أماكنهم بعد هدف لاعب يرتدي قميصاً سماوياً بلون السماء ليخطف حلم ملايين البشر من البرازيليين كان هناك طفلٌ كان يحاول مواساة والده الذي أجهش بالبكاء من خلف الشاشة , 

فوعده صاحب السنوات التسع بتحقيق كأس العالم عندما يكبر!

 

تمرُّ الأيام سُراعاً فيظهر لنا جيّلٌ آخر لا يكاد يملك أحذية سليمة الأمرُ كان أشبه بالكتيبة الحربية المُحطمة تماماً التحطيم الداخلي كان أكبر وأشدّ مما كان عليه في الخارجِ.

 

ألمانيا الغربية بعد تقسميها لشرقية وغربية, احتاجت إلى ما يُسمى بمعجزة عجزة تنقذ الكتيبة المحطمة من الضياع النهائي في عالم المُستديرة فكان للإبتكار الألماني أمرٌ بمثابة السحر الذي أعاد ألمانيا الغربية إلى الواجهةِ فاستطاعوا قهر بوشكاش ورفقاؤه في الوقت القاتل من نهائي زيورخ وتتحقق المعجزة الأكثر صعوبة في تاريخ كرة القدم الألمانية في ذلك الوقت كان الإعتماد الراسخ على براعة الهجوم والإهتمام بإنهاء الهجمات باحترافية فهذا ما صنع ما يُسمى بمنتخب المجرّ 54 التاريخي وهو أول منتخبات الأرض مهارة في ذلك الوقت أما ما بعد مجرّ 54 كُنا قد تحدثنا عن الفتى الذي واسى والده عندما كان طفلاً المنتخب البرازيلي في ذلك الوقت ضمَّ هذا الطفل الذي عملَ ماسحاً للأحذيةِ وآخر مُعاق ذو قدم أطول من أُخرى وركبة منحنية للداخل وأُخرى للخارج.

 

ما هذه الإنتقاءات يا فيولا؟ 

 

كأس عظيمة في معقل الماراكانا بقيادة جائير العظيم لم نستطع أن نحصل عليها فكيف سنحصل على كأس العالم في معقل بحّارة السويد؟؟ في التاريخ لم يرحلْ منتخب البرازيل من أرض الوطن وقد تلقى هذا القدر من السخرية والنكت من أبناء الشعب البرازيلي!

 

لا يهم 

 

فبعد تجاوز الدور الأول أدرك فيولا بأنه بحاجة إلى شيء مُختلفٍ شيء نادر غير متواجد لدى فريقه الأساسي !

 

 

مما جعله يتخذ أصعب قرارات الكرة في ذلك الوقت وفي تاريخه !

 

 

ويلز كانت صعبة المراس وقرار فيولا كان مصيباً !

 

 

فالفتى البرازيلي أهدى هدف الفوز والعبور للدور قبل النهائي ببراعة تاريخية !

 

 

لم يكن أحد يعتقد بأن صاحب الـ 17 ربيعاً يملك هذا الكم الهائل من الموهبة الهائلة في كلتا قدميه !

 

 

فتسبب بهزيمة ويلز وأردف ثلاثية طردت ديوك جاست فونتن وختم البطولة بالتفوق طولاً وعرضاً على السويد أصحاب الأرضِ فياله من ماسحٍ أحذية غيرَّ تاريخ كُرة القدم وصنع تاريخ أمة ما كانت لتفوز بكأس العالم في ذاك الزمانِ !

 

 

البرازيل الذهبية حققت ما حققت من كؤوس في عهد ملك كرة القدم بيليه وإنتهى الأمرُ فقد آن الأوان لصحوة أوروبية إستثنائية، لقد كان هناك جيلان قادمان بقوة بعد برازيل 1970 المصنفة على أنها الأكثر قوة عبرَّ تاريخ كرة القدم.

 

الجيل الأكثر مهارة في ذلك الوقت هو منتخب هولندا مُبتكر الكرة الشاملة والمنتخب الألماني الغربي صاحب التكتيك الكروي العالي !

 

هولندا تمتعت بجيل فريد من نوعه تزعمه الاسطورة يوهان كرويف وثلة رائعة لا تقل عن روعة ثلة برازيل بيليه نفس المعادلة تنطبق على ألمانيا فرانز بيكنباور ورفقاؤه الجيرمان في الحقيقة إن تابعنا ملخصات بسيطة عن الطريقة التي كانت تسيرُ بها هولندا سنجد أن أغلب منتخبات العالم الحالية والسابقة  قد تعجزُ بكل الصور في حال أرادت تطبيق النمط الشامل والذي سارَ به كرويف ورفقاؤه أما عن ألمانيا الغربية فقد تمتعت بحنكة اللعب وقراءة حيثيات المواجهات ببراعة وكيف تستطيع رسم الهجمات من المرمى إلى المرمى فكانت مهمة فرانز بيكنباور أشبه بمهمة حيّاكة العنكبوت لخيوط منزله !

 

الجيلين الأكثر روعة إصطدما ببعضهما في نهاية الأمرِ كانت الإنطلاقة برتقالية , لكن الرغبة الألمانية الجامحّة كان لها رأيٌّ آخرٌ فانتصر رجال القيصر الألماني كما إنتصر إدولف هتلر سابقاً على بلاد الطواحين الهولندية ما قد يخفى على الأذهان بأن في تلك الفترة كانت المواهب الكروية تُمطر بكثرة على الملاعب الأوروبية واللاتينية وبصورة لم تتكررْ بعد ذلك.. 

 

 

ناهيك أن قانون التسلل القديم والذي تم إعتماده عام  1863 كان أصعب بكثيرٍ مما جرى عليه التعديل بعد ذلك في 1974 فقوانين التسلل أخذت بالتمحور التدريجي حتى وصلت إلى الصورة البسيطة في الوقت الحالي فلو كان بيليه أو جيرد مولر في عصرنا الحالي لإستطاعا تسجيل 2000 هدف ورُبما أكثر من ذلك, والسبب يعود إلى الموهبة الربانية التي تمتعا بها لا بأس, بالإقتراب من الكرة الكلاسيكية الثمانينية نجد بأن الإستعراض والمهارة كانت تسود لنجم الفريق الأول كما كان في أرخنتين مارادونا, وبرازيل زيكو وسقراطس, بالإضافة إلى هولندا خوليت وباستن المهارة الفذّة في تلك الأثناء تركت من الأثر البليغ في نفوس الجيل الصغير المتابع لهذه الكوكبة من الأساطير الكروية

 

فنتج الجيل الثالث والذي أصنفه أقوى أجيال كرة القدم على مرِّ العصور، أستطيع القول بأن هذا الجيل قد أخذ بيد كرة القدم إلى ذروة العطاء والإبداع على جميع الأصعدةِ إذا كنا نريد رؤية أبلغ وأجمل المهارات البرازيلية , يمكننا أن نتابع برازيل روماريو ورونالدو أما أردت الدفاع الفولاذي , يمكننا أن نتابع إيطاليا باجيو ومالديني إذا كنت من هواة التكتيك والإنضباط الميداني والعزيمة الفريدة في أحلّك الظروفِ, فلن تجد أفضل من الناسيونال مانشافات بقيادة لوثر ماثيوس وأولفير كان أيّ أن جميع الأذواق والألوان الكروية كانت مُتاحة على مصرعيها لجميع عُشاق المُستديرة قبل أن تنحسر الكرة وتتراجع بشدّة في الأعوام الأخيرة وتصبح الأفضلية لمنتخب إسبانيا المتميز والذي بدوره قد ظهر بصورة مميزة في الأعوام الخمس الأخير إذا أردنا حصر كرة القدم سنجدُ بأنها عبارة عن ثلاثة أجيال كروية حقيقية يمكن تفصيلها ببضعة أسطر، الجيل الأول: جيل الموهبة الفردية التي من شأنها صناعة التاريخ وتسجيل الإنجازات تمثل بالملك بيليه, القيصر فرانز بيكنباور, الطائر يوهان كرويف، جارنشيا, دي ستيفانو وآخرون .

 

الجيل الثاني :جيل إمتاز بالمهارة العالية واللعب الفردي أكبر من الجيل السابق تمثل خوليت, زيكو, مارادونا, سقراطس, باستن  وآخرون .

 

الجيل الثالث :جيل اللعب الجماعي والإنضباط الميداني مع إطلاق العنان للموهبة الربانية تمثل بروماريو, زين الدين زيدان , لوثر ماثيوس , خريستو ستويشكوف , باجيو , الظاهرة رونالدو وآخرون .

 

إذاً من كل هذه القراءات والأحداث يتضحُ لنا جليّاً بأن الأجيال الثلاثة لكلٍ منها مميزات وعيوب لكنني أرى بأن جيل التسعينات حتى بداية الألفية كان الأفضل على مرِّ العصورِ فكان فيه التطور الكرويّ المثالي والتكتيك العالي وتطوير للمواهب والمهارات بشتى صورها وأنواعها !

 

أما عن هذه الأيام فبالكاد أُفكِرُ كيف سوف تكون عودة هذه الألوان إلى الواجهة بعد أن فقدت من بريقها ما فقدت بسبب مدربٍ متواضع أو لعجزِ في مخزون المواهبِ , ورُبما لإفراط في ثقةٍ ما .. 

 

 

لذلك يبدو بأن الأزمنة الثلاثة ستكون الأكثر رواجاً في الأحاديث ومقارنتها مع بعضها البعضِ، حتى يأتي أو تأتي مجموعة من الأجيال لهذه المنتخبات وتعيد لعبة كرة القدم الحقيقية إلى الواجهةِ .

 

 

فهد الفضلي ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية 

 

Twitter: @Fahad_Fenomeno

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى