جبر كسر ..
الاختلاف هو تفوّق وتميز ولكن من ناحية أخرى هو حالة خاصة لفرد تحتضنه إعاقة أو حالة صحية أو حالة معينة جعلت اختلافه بمرحلة معينة من حياته يشكل عزلة وانكسار في نفسه أمام ذويه ولنا في طفولتنا ذكريات وأمثلة كثيرة بالسخرية من أبسط تصرف .. غلطة .. زلة .. مِن منَ حولنا من الاطفال، فكيف هو باختلاف تركيبة جسمانية تضع صاحبها في خانة “ذوي الاحتياجات الخاصة” ..
عزلوه عن بقية الأطفال الأسوياء ووضعوه في مدرسة لتعليم بطيئي التعلم ومن يحمل إعاقة معينة وذلك فقط لأنه طفل يحمل طاقة وحيوية ونشاط أكثر وتزيد عن البقية واستصعبوا السيطرة عليه والتحكم بها فحكموا عليه “بالمعاق” وعاش مع أطفال يحملون إعاقات وتطبّق عليهم مهارات معينة وطرق تدريبية وتدريسية خاصة، فأصبح كالطائر المسجون في قفص جردوه من حريته وعفويته وكبلوه بعيداً عن بقية الطيور وهو يحمل في عينيه وقلبه حرقة الم وحزن حين يراهم يجوبون السماء ويحلقون بحرية وسعادة وهو محجوز يؤدي عقوبته بدون اي وجه حق وبظلم فرض عليه لأنه وببساطة هكذا يتعاملون مع المتميزين وأصحاب الاختلاف المميز النادر حين يعجزون عن استيعابهم والتعامل معهم فيهدمون حاضرهم ومستقبلهم وحياتهم ..
خضع لمقررات دراسية لا تتوافق مع مستوى عقله فشعر بالانكسار واستنكرها، فالمقررات مصاغة ومعدة لشريحة لا ينتمي لها، تفوق في جميع المجالات وحصل على المراكز الأولى ومرتبة الشرف إلى أن أتم الثانوية، نعم تفوق ولكن هذا التفوق كان يحمل معه شخصية منطوية منزوية تشعر بالصغر والفشل والمرض أمام الآخرين، شعور وكأن كل شي حوله أكبر من ما يستطيع وأكبر من مستوى عقله وقدراته، يرى من حوله يحملون نظرات الاستحقار والاستخفاف به فقد عاش في بيئة وجو أسري مصدقاً لتلك الإعاقة لأنها صادرة من متخصصين في الطب فأشعروه بأن أي انجاز يقوم به على أي صعيد وناحية هو ربما بمحض الصدفة ولا يليق به ولن يستطيع الاستمرار، أصبح يخاف من حوله يريد أن يكون مساوياً لهم وهو فعلاً مساوياً لهم ويفوقهم كذلك ولكن ليرى ذلك، يعمل جاهداً ليثبت أنه سوي وخال من أي داء أو مرض أو إعاقة وذلك فقط لجريمة خطأ في تشخيص طبي تعرض له في طفولته .. فأصبح معزولاً يكره ويهاب الناس في العالم الخارجي ونظراتهم التي يراها هو فقط وهي غير موجودة، يخاف من حكم الآخرين عليه ويخشى أن ينبذوه، وأصابع الاتهام بالفشل والإعاقة غير الموجودة، كمن اتهم بجريمة أخلاقية بشعة حقيرة أودت بسمعته وحياته وأصبح وصمة عار في المجتمع وهو برئ منها.. الآن.. هو مهندس ناجح ومتفوق في عدة مجالات وشخصية جداً رائعة خلاقة ومحبة ولكن لا يزال يعمل جاهداً ليثبت ويبرهن لهم ومثابر جداً في تعزيز ثقته بنفسه فطفولتنا هي مقتطفات مشاعر ومواقف تعلق في مخيلتنا لنفهمها نعيشها نخوضها وندفع ثمنها عندما نكبر ..
الجريمة الحقيقة تكمن في أن هذا التشخيص الطبي الفادح الخاطئ سيلازمه طوال حياته وذلك لوجوده في سجله، في المقابل نرى تفوق الدول الغربية في التعامل مع الأطفال ذوي المهارات المتميزة والجبارة غير الاعتيادية حتى يصل الحال ببعض الأطفال أن يتم إدخالهم لصفوف الثانوية أو حتى الجامعة وهم في عمر لا يتعدى الـ 9 سنوات، .. ولكن، هي الحياة لا تكون منصفة معنىً دائماً فبتحصين أنفسنا بالثقة بالنفس ودعم من حولنا وكل من يثق بنا نرى الحياة جميلة ..
حصة بدر العبيدان ـ كاتبة في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @9oooo9a