النجف وقم.. نزاع بين الانفتاح والتشدد
كشفت الأحداث الأمنية والتطورات السياسية الأخيرة في العراق عن احتدام النزاع بين تيار شيعي معتدل ومنفتح على محيطه العربي، وآخر متشدد يرتبط عضويا بالنظام الإيراني عبر مرجعية ولي الفقيه، المتمثلة بالمرشد علي خامنئي.وانعكس الصراع بين التيار المرتبط بالمرجعية الدينية التي تتخذ من مدينة النجف العراقية مقرا لها والجماعات المرتهنة إلى خامنئي وبالتالي مرجعية قم الإيرانية، على أرض الواقع في العراق، الذي بات ساحة للتجاذبات والانقسامات.والواضح أن قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، هو من يتولى، في العراق، نقل وتنفيذ أوامر المرشد، الذي يتخذ من نهج ولاية الفقيه سلاحا لتطبيق سياسة إيران التوسعية في الدول العربية عبر وكلائها.ومنذ الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي عام 1979، تبنى النظام الإيراني الجديد نهج ولاية الفقيه، الذي يمثله المرشد ويفرض على أتباعه الشيعة في إيران وغيرها من الدول الطاعة المطلقة على الصعيدين الديني والدنيوي.ويقول مدير المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية، غسان العطية، إن “ولاية الفقيه لا تعتبر نهجا مقبولا عند كافة الشيعة”، مشيرا إلى أن هذا النهج كرسه الخميني بعد “الثورة” التي شكلت البوابة للسياسة الفارسية الرامية إلى التوسع بالمنطقة.وفي العراق ودول عربية أخرى، على رأسها لبنان، عمد النظام الإيراني إلى ربط بعض التيارات بولي الفقيه في محاولة لسلخ الشيعة العرب عن مجتمعهم العربي وتاريخهم وثقافتهم، الأمر الذي أثار حفيظة مرجعيات شيعية عدة.وفي هذا الإطار، يؤكد العطية لـ”سكاي نيوز عربية” أن 4 مرجعيات في العراق، من بينهم السيستاني، لا تعترف بولاية الفقيه، بدأت مؤخرا في الإعراب عن رفضها للسياسة الإيرانية في هذا البلد، وذلك في دلالة واضحة على النزاع بين النجف وقم.وأثار ارتباط بعض القوى والتيارات السياسية العراقية بولاية الفقيه غضب المرجعيات الشيعية في النجف، وعلى رأسها السيستاني الذي يصر على الاستمرار بحملة مكافحة الفساد التي ضربت بتداعياتها نوري المالكي المتهم بأنه أحد أبرز وكلاء إيران بالعراق.وتحدث مدير المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية عن صراع “شيعي-شيعي” برز أخيرا بين الأطراف المتشددة المرتبطة بقم ومرجعيتها، والتيارات المعتدلة المدعومة من النجف، قبل أن يحذر من خطر انتصار الطرف المتطرف على المشهد العراقي.ووفق العطية، فإن المالكي وبعض التيارات الدينية والسياسية المشاركة في “الحشد الشعبي”، من بينها “منظمة بدر” و”عصائب أهل الحق”، تعمل على الانقلاب على رئيس الوزراء، حيدر العبادي، الذي يقود الحملة على الفساد مدعوما بمرجعيات النجف.وأشار إلى أن الأيام الأخيرة شهدت 3 حوادث تؤكد على عزم التيارات المتطرفة “الانقلاب على العبادي” عبر كافة الوسائل، الأولى كان مطار بغداد مسرحا لها حين رفضت بعض القوى “الشيعية المتطرفة” عزم القوات الحكومية تفتيش طائرات إيرانية.أما الحادثة الثانية، فتتمثل بصدام بين العبادي وسليماني في اجتماع الهيئة السياسية للتحالف الوطني الشيعي، الذي كان يسعى من خلاله ولاية الفقيه إلى وقف عملية مكافحة الفساد وتبرئة ساحة المالكي الذي تولى رئاسة الحكومة من 2006 إلى 2014.كما أن المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية وميليشيات من “الحشد الشعبي” في مدينة الصدر عقب إقدام المسلحين على خطف عمال أتراك، تؤكد أن طهران لن تقف مكتوفة اليدين إزاء محاولة السلطة احتواء الفوضى وفرض الأمن والاستقرار في العراق.