قلم الإرادة

هاجس رحيل ..

   موجود ولكن غيابه مستمر ودائم، حي يرزق ولكن كان البعد والرحيل هو اختياره أو اختيار الزمن، يتواصلان بين الفينة والأخرى، كلمات الحنين والاشتياق بينهم تحمل في طياتها مشاعر مؤلمة موجعة، فهو كالحب المحرم تريده ولكنه صعب الوصول ويعذبها، ذكريات واضحة المعالم وكأنها للتو حدثت، متمسكة بتلك الاحداث التي تلمس قلبها فقد عاشتها معه رسمت ملامحها وحياتها آنذاك، كل صورة تجسد ذكرى جمعتها به ولكن شاءت الاقدار أن تبعدها عنه، اقتلعت قلبها كسرتها أصبحت بهذا القَدَر مجروحة، تركت بها الأيام أثر عميق حزين اتحد معها ليكون هي، هذه طفلة كبرت ونضجت مع حقيقة الابتعاد وفراق والدها لظروف كانت رغماً عن الجميع، رحل تاركاً ابنته في منتصف الطريق لم يأبه بها أو بحالها لتكمل المسير بلا دليل تائهة حائرة خائفة مرعوبة مشتاقة، طفلة أصغر بكثير من أن تفهم وتستوعب ما يجري حولها وأم أجبرتها الحياة أن تكون كل شي لصغيرة، ستخوض غمار الحياة وتتحدى الصعاب وحدها واختار البدء بحياة أخرى مع أخرى، وكأنه رماها بمنتصف البحر ورحل ليكون عليها أن تقرر في أي مرسى تكون  وتتعلم كيف تعوم وتواجه الأمواج وتحارب كي لا تغرق، فنشأت تلك الطفلة معتنقة الخوف والحاجة للأمان، أمان الأب .. ذاك الرجل الذي هو أعظم رجل بحياتها سندها وقوتها لا تخشى شيء وهو بجانبها فهو لا يسمح لأحد بإيذاء فلذة كبده، قد يقتل من يتسبب بحزنها وإنزال دمعتها، إن تمنت وجدت، يرى الدنيا بعينيها، يفعل المعجزات فقط ليرى ابتسامتها ، لا احد يفهمها ويعرفها كما يفعل ، هي فرحته الأولى كانت كل حياته وكان هو الحياة لها، بُعده نمّا بداخلها الخوف من الرجل تخشى وجوده فيرحل .. قربه فيغدر .. حبه فيخون ويهجر وتستولي عليه أخرى ..

 

لذا سلحت نفسها باليقين أنها قوية وقادرة وأصمّت أذنيها عن ذاك الأنين الذي لا يكف عن إزعاجها بإلحاحه الدائم وتذكيرها بحاجتها كأنثى له “الرجل”، ولكن هي تعلم أنها بمجرد أن توقظ أو تسمح لنفسها بالاستماع والاكتراث لذلك الشيء الكريه بداخلها الذي يبحث عن الأمان ستضعف وتتألم منه، فحاجتها للرجل .. الزوج تختلف عن الأخريات .. ستكبّده عناء شغل فراغ الأب لديها وتعويظها مكانه مع زرع الطمأنينة بداخلها بأنه لن يفرق بينهما إلا الموت وستكون هي فقط ولن تشاركها معه أخرى، فهي لن تحتمل وجع آخر ورحيل آخر، الأمان والاهتمام الحب والحنان هو كل ما تطلب، هي أنثى ترغب بعقد أمان أكثر مما هو عقد قران ..

 

حصة بدر العبيدان ـ كاتبة في صحيفة الإرادة الإلكترونية  

 

Twitter: @9oooo9a

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى