قرية عراقية تمنع التدخين وإطلاق أبواق السيارات والأحاديث الدينية
قررت إحدى القرى جنوب العراق لا يتعدى عدد سكانها الـ700 قاطن، منع عادات مضرة بالصحة والبيئة مثل التدخين واطلاق العنان لأبواق السيارات والجدل في المسائل السياسية، وتقديم صورة صحية مشرقة مناقضة.
فمن جانب، يقول كاظم حسون إن “التدخين مضر جدا لكم”، وهو واقف الى جانب اشارة حمراء وبيضاء لمنع التدخين عند مدخل قريته البو ناهض الواقعة على ضفاف نهر في الاراضي الخصبة بجنوب العراق.
ويقود حسون عملية التحول في القرية وقوانيها غير المألوفة، مستكملا اسسا وضعها والده جبر حسون قبل اعوام.
ويعد منع التدخين في القرية خطوة جريئة في بلد ليس مستغربا فيه ان يدخن الناس في المصاعد ومحطات الوقود وحتى اروقة المستشفيات.
ويقول حسون “غير الدين والطائفية كل شي في هذا البلد، لذا أحد قوانينا هو منع التحدث بالدين. الدين يجب ان يكون في قلبك، بينك وبين الله”، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية.
ويقول فرحان حسين علي، وهو طبيب وأستاذ جامعي، ان والد حسون الذي كان ابرز وجهاء القرية، هو الذي شرع في “سن” قوانينها اللافتة. ويوضح ان جبر حسون والد كاظم، والذي “لم يكن يرغب في حصول اي نقاشات وأقر المنع… للحفاظ على السلم في مجتمعنا”. إلا ان كاظم طور أفكار والده، ويشرف حاليا على محاولة جعل القرية أشبه بمكان نموذجي يمتنع فيه الناس عما يضرهم.
وتشمل قائمة الممنوعات بيع المشروبات الغازية للاطفال واستخدام أبواق السيارات، على الرغم من ان اي عقوبة لا تفرض على المخالفين.
ويؤكد كاظم (46 عاما) ان مشروعه هو محاولة لجعل القرية صديقة للبيئة تتبع ممارسات صحية، أكثر منها مجتمعا مغلقا ذا قوانين غريبة. ويقول “اريد ان يصبح هذا الشارع شبيها لقطعة من اوروبا”. ويضيف بقوله “في الخامس من يونيو (حزيران) قمنا بزرع 300 شجرة”، سائلا “كم من الاماكن الاخرى في العراق أحيت يوم البيئة العالمي في 2015؟”؛ في اشارة الى المناسبة السنوية التي تحييها الأمم المتحدة.
ويعتبر حسون أن إحياء يوم البيئة “كان ناجحا. قد يبدو الأمر غير مهم، لكن يمكن ان اكون من قرية صغيرة وجزءا من العالم في الوقت نفسه”. ويتابع “لا يقل لي أحد ان قريتي لا تحدث فارقا”.
وانعكست خطوات حسون ايجابا على سكان القرية، ومنهم مصطفى جبر (28 عاما)، الرياضي والمدرب البالغ من العمر 28 عاما، والذي وجد ضالته عندما بدأ حسون بتنظيم منافسات رياضة بدنية محلية.
ويضيف حسون “رياضة الجري ليست موجودة في ثقافتنا. عندما اخرج من المنزل لاجراء تماريني اليومية، يتوقف الناس حتى الذين لا اعرفهم، ويعرضون علي ان يقلوني بسيارتهم”. حتى جبر اعتقد بداية ان الفكرة غريبة، إلا ان حسون أقنعه بالركض معه ومع شبان آخرين. وفي فترة قصيرة ظهرت مهارات جبر الرياضية.
وحاز الشاب جوائز في منافسات عراقية للجري وركوب الدراجات الهوائية، كما ان مجموعة الشبان الذين يزاولون رياضة الجري مساء في القرية تكبر.
ويقول جبر الذي فرغ لتوه من ممارسة السباحة اليومية “هذه القرية لها خصوصية لأنك تحصل على دعم لا تجده في اي مكان آخر في العراق”.
يذكر أنه في وقت سابق من هذه السنة، شارك ثلاثة آلاف شخص في سباق سنوي يقام في القرية، ويشمل الركض لمسافات مختلفة بحسب الفئات العمرية.
ويقول حسون الذي عاد قبل ثلاثة اعوام من الامارات العربية المتحدة، حيث أمضى قرابة عقدين من الزمن، “فوجئنا برؤية هذا العدد الكبير من المهتمين بالصحة والبيئة”، مشيرا الى انه ينوي تنظيم سباق ماراثون في القرية، والبحث عن سبل لاشراك النساء بشكل اكبر في تطوير القرية. ويوضح “الناس محافظون هنا… اعتادوا على التفكير بان على النساء تمضية الوقت في المنزل. لقد كسرنا حواجز عدة، إلا ان هذا الحاجز سيتطلب وقتا”.
وأحد الحلول التي ينوي حسون اختبارها هو “مركز ثقافي” في طور البناء، حيث سيتاح للاناث اللقاء مرتين اسبوعيا والمشاركة في ندوات واستعارة كتب ستكون عن “الادب والفلسفة والتاريخ”.
وفي حين ان تعداد سكان القرية لا يتجاوز 700 نسمة، الا ان ناسها مقتنعون بان تجربتها قابلة للتكرار في مناطق اخرى بالعراق.
ويقول فرحان حسين علي “اذا ما قارنت قريتنا بقرى اخرى مجاورة، تجد ان المشاكل قليلة هنا… نأمل في تحذو قرى اخرى حذونا”.