قلم الإرادة

القطار والنائب الذي أصبح رئيس

   تعد سكك حديد مصر هي أول خطوط سكك حديد يتم إنشائها في إفريقيا والشرق الأوسط، والثانية على مستوى العالم بعد المملكة المتحدة، حيث بدأ إنشائها في خمسينيات القرن التاسع عشر حيث تمتد عبر محافظات مصر من شمالها إلى جنوبها، ولمن لا يعلم فإن المهندس القائم على إنشاء سكك حديد مصر هو المهندس الإنجليزي روبرت ستيفنسون وهو ابن مخترع القاطرة الأولى في العالم أي أننا من أوائل الممتلكين لهذه الوسيلة في العالم ومنذ زمن بعيد حيث أن الاحتفال بافتتاح سكك حديد مصر كان مع افتتاح قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل عام 1854 م.

 

أكاد أجزم بأن رئيس حكومتنا ووزراءه لا يعلمون شيئاً عن تاريخ هذه الهيئة العريقة ولا عن أعداد الركاب التي تقوم بنقلهم يومياً بين محافظات مصر وتأكيدي على هذا ليس من فراغ بل بالدليل فإذا كانوا يعلمون القليل عن هذه الهيئة ما كان وصل بها الحال لما هي عليه الآن ولا أريد أن أكون قاسياً حتى أحمل هذه الحكومة سبب هلاك هذه الوسيلة المهمة لنقل الركاب ولكن ما أقصده هنا هو هل هذه الحكومة لم تدري شيئاً عن مساوئ الهيئة قبل توليهم مسئولية إدارة شئون البلاد؟

 

هل كانوا جاهزين بالفعل بخطط استراتيجية وحلول جذرية لكثير من المشاكل اليومية للمواطنين أم انهم كانوا فقط يحلمون بالمنصب ليستريحوا من عناء الوظيفة البسيطة التي كانوا يشغلونها؟

 

نأتي هنا لفخامة رئيس الجمهورية والذي سأقدم له نفس الاستجواب الذي تقدم به منذ ما يقارب العشر سنوات حينما كان عضواً بمجلس الشعب حيث أنه كان قد تقدم باستجواب لرئيس الوزراء آنذاك عاطف عبيد في فاجعة قطار العياط وكان مطلب الرئيس مرسي حينها (ليحاسب كل مسؤول عن أخطائه وتقصيره، فليس على الحساب كبير).

 

وكان وصف النائب محمد مرسي وقتها ما حدث أنه (مسلسل الإهمال الجسيم والمهزلة بمعنى الكلمة و نريد تقييما لهذه الكارثة، كيف نترك هذا الموضوع يمر هكذا، والذى يجب أن تعاقب جهة الإدارة العليا عليه) ونتوقف هنا عند لفظ الإدارة العليا وما يعنيه النائب سابقاً والرئيس حالياً محمد مرسي بهذا اللفظ بمنتهى الاختصار كان يريد استقالة رئيس الحكومة ووزير النقل وعدد من قيادات الهيئة العريقة فلن أكون أقل شفقة من سيادة النائب السابق وسأطلب من سيادته وهو في منصب الإدارة العليا للبلاد بمحاسبة المخطئ أيا كان منصبه لأنه (ليس على الحساب كبير) فيجب أن يكون أول من يحاسب على هذه الفاجعة هو سيادتكم سيادة الرئيس وهذا لسبب غاية في البساطة وهو أن سيادتكم أخطأتم الاختيار بالرغم من أن سيادتكم أخذتم الوقت الكافي لاختيار رئيس للحكومة وكانت مصر حينها تتساءل ما سبب التأخير في اختيار الحكومة فكانت الإجابة الجاهزة لديكم أنكم تريدون إختيار رجل المرحلة الذي يستطيع الخروج بالبلاد من النفق المظلم وظل كل من يعمل بالحقل السياسي والمعارضون منهم ملتزمون الصمت حتى لا تتأثر بآرائهم في اختيارك والمحزن أننا نعلم جيداً حجم الشخصيات التي قمت سيادتك بمقابلتها للاختيار من بينهم من يقود الحكومة وتغليب مصلحة الوطن لاجتياز الفترة الحساسة الماضية ومع ثقل حجم هذه الشخصيات خرج علينا اختيارك بشخص لم يكن يعرفه جاره الذي يسكن في الشقة المجاورة له وهو السيد هشام قنديل ومع ذلك احترم المجتمع المصري اختيارك وانتظر أن يكون الخير على أيدي وزراء حكومة السيد قنديل ولكن للأسف لم نرى على أيدي هذه الحكومة إلا المصائب مصيبة تلو الأخرى والأدهى من ذلك هو خروج تصريحات من الحكومة ينفيها في نفس اليوم السيد ياسر علي متحدث قصركم المصون.

 

يا سيادة الرئيس أقل ما كان ينتظره الشعب المصري من سيادتكم هو إقالة قنديل ووزراءه إلا من رحم ربي منهم لكن للأسف خرجت سيادتك علينا بخطاب مقتضب لا يزيد وقته عن 36 ثانية ولم تذكر فيه إلا أنك أرسلت رئيس الحكومة لموقع الحادث والذي قابله أهالي الأطفال بثورة عارمة وكادوا أن يفتكوا به انتقاماً لأبنائهم الذين قتلوا جراء إهمال وفساد تزعمون أنه إرث الرئيس السابق ـ ولو افترضنا صحة ما تزعمون الست أنت النائب الذي حصل على أفضل استجواب في دورة برلمانية كاملة وكان عن حادث قطار العياط أي ان سيادتكم تعلمون جيداً مدى الإهمال والفساد الذي طال هذه الهيئة العريقة لماذا لم تقم بتوجيه السيد قنديل إلى حل هذه المشكلة أو على الأقل يضعها ضمن أولويات الحكومة وأعتقد بما أنك أنت الذي قدمت الاستجواب إذاً فإنك لديك الحل لهذه المشكلة لماذا لم تقم بعرضه على الحكومة ليأخذوا به ويقوموا بتنفيذ الحل.

 

يا سيادة الرئيس نعلم جيداً أنك على علم ودين وأعلم جيداً أنك تعلم مقولة سيدنا عمر رضي الله عنه: (أخشى لو أن دابة تعثرت بالعراق يسأل عليها عمر يوم القيامة)، فهل فكرت سيادتك ماذا ستقول لرب العالمين وأنت ولي الامر والمتعثر هنا ليست دابة ويا ليتها متعثرة بل إنهم أطفال ومقتولين ودماؤهم معلقة في رقابكم بداية من سيادتكم وصولاً للسيد قنديل ووزير النقل نهاية بعامل المزلقان الذي كان سبباً رئيسياً في هذه الفاجعة ـ أتمنى أن تكون متذكراً لهذه المقولة ووقعها على قلبك لكي يكون رد فعل سيادتكم على قدر وقعها وتأثيرها في ضميركم.

 

فى الثقافة الإسلامية نقل عن الخليل بن أحمد أنه قال: الرجال أربعة: رجل يدري ولا يدري أنه يدرى فذاك غافل فنبهوه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذاك جاهل فعلموه، ورجل يدري ويدري أنه يدري فذاك عاقل فاتبعوه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك مائق فاحذروه. تقول رواية أخرى: وذاك أحمق فاجتنبوه، مع أياً من هؤلاء تصنف سيادتكم حكومتك الموقرة؟ إذا كنت تريد معرفة تصنيف شعب مصر للحكومة من ضمن هؤلاء فهو معروف سابقاً لسيادتكم وهو الصنف الأخير حيث أنهم لايدرون ولا يدرون أنهم لا يدرون ولذلك يجب اجتنابهم يجب ألا يكونوا في موضع مسئولية.

 

رسالتي لمعالي رئيس الوزراء ـ أرجو من سيادتكم التقدم بالاستقالة على الأقل ستكون معترف أدبياً بالخطأ الفادح الذي وقعتم فيه والاستقالة هنا ليست نتيجه للخطأ فقط ولكنها نتيجة لطريقة مواجهتكم للفاجعة حيث أنك حتى لم تخرج علينا بتصريح واحد يشفى غليل المصريين وفي دول العالم أجمع النامي منها قبل المتقدم إذا حدثت فاجعة أقل من هذه يستقيل على اثرها حكومة كاملة ويعتذرون لشعوبهم عما بدر منهم ويطلبون السماح ـ نحن في انتظار الاستقالة وإن لم تحدث سنكون في انتظار الإقالة من فخامة رئيس الجمهورية والذي لا أتمنى انتظاره هو مرور الفاجعة كغيرها من الكوارث والتي تنتهي بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق وفي النهاية لن تظهر حقيقة ولن يعود المفقود وسنفيق على فاجعة جديدة ضحاياها لن يكونوا أقل براءة ممن ذهبوا.

 

محمد سمير ـ كاتب مصري

 

Twitter: @Momo202005

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى