قلم الإرادة

اقتصاد مصر واقتصاد شعب مصر

   منذ قيام الثورة المصرية المجيدة والإطاحة بالنظام المستبد البائد ونحن نسمع ونقرأ ونشاهد يومياً تقارير من الحكومة ومن أهل الخبرات بمصر أن الاقتصاد المصري ينهار وأن الخزانة المصرية على وشك الإفلاس وأن الاحتياطي النقدي يتضاءل لدرجة أننا في خلال ثلاثة شهور سنصل لدرجة لن نستطيع فيها توفير السلع الرئيسية للمواطنين وسنواجه ثورة من نوع آخر وهي ثورة الجياع وامتلأت القنوات الفضائية المصرية بالمحللين الاقتصاديين الذين تباروا في إظهار الفجيعة الاقتصادية المصرية بكل أشكالها وأنواعها كل يحلل من منظوره الاقتصادي المتخصص وبلغة اقتصادية يصعب على أكثر المثقفين المصريين فهمها.

 

وظل هذا الوضع قائماً حتى بعد مرور أكثر من عام ونصف العام على الثورة المصرية ولا زال نفس الحوار قائم وبنفس الشخصيات الاقتصادية المحللة للوضع المتأزم داخلياً وخارجياً يطرح الإعلاميون الأسئلة ويتبارى المحللون في الإجابة الشافية والوافية لهذه الأسئلة التي يقدمها الإعلاميون لهؤلاء الخبراء على أنها أسئلة تدور في أذهان الشعب المصري بجميع طبقاته وفئاته وبدوره يقوم المحلل الاقتصادي بنثر الغبار الأسود في عيون الشعب المصري بأن تفاءلوا مصر مقبله على سنين عجاف لا يعلم مداها إلا الله.

 

والسؤال هنا ـ هل هؤلاء الإعلاميون حقاً يريدون طرح أسئلة الشارع المصري بل هل هذه فعلا أسئلة الشارع المصري وهل هؤلاء الخبراء العظام لديهم فقط التحليل الوافي للوضع أم أنهم يرتكزون على حلول لهذه الأزمات وما بعدها؟

 

لم نجد ولن نجد إعلامي واحد ولا خبير واحد لديه الحل وكذلك لن نجد ما يقوله المحللون حقيقة لانهم بمنتهى الاختصار ظلوا طوال هذه المدة يتكلمون بنفس اللهجة ونفس الاسلوب على مشكلة يفترض أن عمرها ثلاثة أشهر فقط وسيجد الشعب نفسه أمام دولة مفلسة لا تستطيع توفير الخبز لسكانها ـ وهذا لم يحدث ولن يحدث لأنهم وبكل تواضع بعيدين كل البعد عن الحقيقة وعن الأزمة الحقيقية وهذه المشكلة ليس لها إلا تفسيران لا ثالث لهما أولهم هو أن كل الحكومات التي جاءت بعد الثورة حكومات كاذبة وفاشلة وليس لديها أي نوع من أنواع التفكير الاستراتيجي وليس لديها الخبرة الكافية لقيادة مخبز لإنتاج الخبز وليس قيادة دولة بحجم وقيمة مصر.

 

التفسير الثاني هو أن المشكلة ليست اقتصادية من الأساس لكنها في الأساس مشكلة تفاوت أجور وتفاوت مصروفات تحتاج في الأصل إلى قرار جريء وسريع وقوي من رأس الدولة للتحكم في المشكلة وتكون الخطوة الأولى لحلها فعلى سبيل المثال الحكومة المصرية تدفع رواتب لموظفيها حوالي 7 مليار جنيه شهرياً يحصل 15% من موظفي الدولة على 60% من إجمالي هذا المبلغ الضخم وبالقطع هذه النسبة من الموظفين هي من فئة الوزير وصولاً إلى مستشاري الوزارات ووكلاء الوزارات أما ما دون ذلك فلا يحصل إلا على قليل القليل ـ فهل يعقل أن دولة يدعي خبراؤها الاقتصاديين أنها مقبلة على الإفلاس تصرف لمحافظيها سيارات مرسيديس فارهة يستخدمونها في غير العمل وفي مشاورهم الخاصة أي منطق هذا؟ هل يعقل أن دولة لا تستطيع أن توفر لشعبها اسطوانات الغاز أن تدفع لأحد مستشاري وزارة من وزاراتها  ما يقارب 750 ألف جنيه راتب شهري بأي عقل اقتصادي يدار البلد يا سادة.

 

مصر ليست في حاجه إلى قروض ولا معونات ولا منح اقتصادية ونقدية مصر في حاجة ماسة لإعادة توزيع مواردها المالية على موظفيها بحيث يكون الفارق بين أعلى أجر وأقل أجر لا يتعدى الثلاثون ضعف وإلا سوف تكون النتيجة وعواقبها وخيمة على الحكومة قبل الشعب ـ ثم نأتي إلى قرار متسرع وغريب وغير مفهوم بأن تقوم الحكومة بإجبار أصحاب المحلات التجارية بإغلاق محلاتهم الساعة العاشرة مساءً وهم بالكاد يوفرون قوت يومهم من هذه المحلات ومنهم من يعمل بالقطاع الحكومي أو الخاص وهذه المحلات تعتبر له دخل إضافي يستطيع به توفير المصروفات اللازمة لبيته وأولاده ناهيك عن العمالة التي تعمل في هذه المحلات وأنهم سوف يشردون بمثل هذا القرار المتعنت والحجة التي يستند عليها الحكومة هي توفير الطاقة وترشيد استهلاكها مع العلم بأن المحلات السياحية لا يسري عليها القانون المستبد هذا وكأن هذه المحلات لا تستخدم الكهرباء في إنارتها بل تستخدم الشموع ـ فكر غريب ومتأخر يريدون به إفقاد مصر والقاهرة بالأخص رونقها ومذاقها الخاص الذي يأتي بسببه إلى مصر الكثير من السياحة.

 

أما عن اقتصاد شعب مصر فهو بعيد كل البعد عن اقتصاد حكومتها حيث أن الشعب المصري فقد الثقة في كل حكوماته بما فيهم من سياتي بسبب عدم وضوح الرؤية والشفافية الكافية في التعامل مع المواطنين فاقتصاد الشعب يقوم في الأساس على المشروعات الخاصة التي لا توليها الحكومة أي اهتمام وهو قائم في الأساس على الاجتهاد الشخصي من المواطنين وذلك للأسباب سالفة الذكر ومع ذلك الحكومة الآن بمثل هذا القرار المتخبط تتدخل في شأن خاص ليس لها فيه ناقة ولا جمل إلا أنها تريد التضييق على المواطن المصري قدر المستطاع لكي توفر لمستشاريها رواتبهم الفلكية الشهرية.

 

أيها السادة الوزراء كل ما استطيع قوله لكم الآن هو أن معظمكم لا يرقى مستواه للجلوس على كرسي سكرتير خاص لرئيس أحد شركات القطاع العام؛ لأنكم لا تملكون رؤية واضحة لمشكلة واحدة من جبال المشكلات التي يعاني منها المواطن البسيط ولا تستطيعون حل مشكلة واحده منها ولو على المدى البعيد في حين أن رواتبكم تدفع من جيوب هؤلاء المواطنين البسطاء بما يفرض عليهم من ضرائب وأنا واحد من هؤلاء ومن حقي أن أسأل سيادتكم ماذا قدمتم لمصر طيلة هذه الفترة ما هي المشكلة التي قمتم أو حتى ساعدتم على حلها أين النظافة التي وعدتم بها أين قوانين المرور التي وعدتم بتنفيذها أين اسطوانات الغاز التي سوف توزعونها على البطاقه التموينية ولماذا لم يمدد الغاز الطبيعي لبقية أحياء مصر أين التطوير الذي وعدتم به في المستشفيات والمراكز الصحية إلى الآن الأطباء يشكون إليكم وضعهم السيء ولم يستجب لهم أحد أين حق المعلم في راتب يغنيه عن طرق أخرى يسلكها لتوفير حياة كريمة له ولأسرته أين التنمية يا معالي وزير التنمية؟ هذا الموظف العام الذي أغلق الخط في وجه أحد الإعلاميات المهذبات لمجرد سؤالها: (ما هو الحل البديل سيادتكم الذي ستوفروه لأصحاب وعمال المحلات التي سوف تغلق مبكراً)، فكانت الإجابة أن أغلق الخط في وجهها وقبل أن يقوم بهذا الفعل الغبي قال: (لما تعرفوا تكلموا الناس أبأوا كلموني) هل هذا تصرف موظف عام بالدولة على درجة وزير في الإجابة على استفسار المواطنين هل هذا وزير ننتظر منه التنمية في وقت يحتاج هو نفسه لتنمية يحتاج لتنمية فكرية ونفسية تؤهله للتعامل مع المواطن وتؤهله للتعامل مع موظفي الوزارة.

 

مصر في حاجه إلى أبطال على درجة وزراء يستطيعون صناعة بطولة حقيقية ولا يستسلموا للظروف ولا يتحججوا بالعوائق.

 

محمد سمير ـ كاتب مصري

 

Twitter: @Momo202005

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى