إقليمي وعالمي

تونس: مشاركة رمزية لحركة النهضة في حكومة الصيد لضمان الغالبية لها

كشف الحبيب الصيد رئيس الحكومة التونسية المكلف أمس عن التشكيلة الجديدة لوزارته التي أفرزتها الجولة الثانية من المشاورات مع الأحزاب السياسية، وضمت ممثلين عن أحزاب: حركة نداء تونس وحركة النهضة وآفاق تونس والاتحاد والوطني الحر وجبهة الإنقاذ الوطني، إلى جانب عدد من الكفاءات المستقلة.
وضمت الحكومة المعلن عنها 42 عضوا من بينهم 27 وزيرا و14 كاتب دولة (وزير دولة)، وانضاف إليها 5 أعضاء جدد من التشكيلة الأولى التي كشف عنها الصيد يوم 23 يناير (كانون الثاني) الماضي.
وخلفت الحكومة الجديدة تساؤلات كثيرة بشأن إشراك حركة النهضة في تركيبتها رغم التحفظات الكثيرة التي رافقت تلك المشاركة سواء داخل حركة نداء تونس التي انقسمت قيادتها السياسية بين مؤيدين ورافضين.
ولم تنج حركة النهضة بدورها من انقسامات بشأن تلك المشاركة ظهرت بشكل جلي الأسبوع الماضي حينما طلب عبد الحميد الجلاصي نائب رئيس حركة النهضة إعفاءه من مهامه الحزبية.
وسيطرت حركة نداء تونس المؤيدة لحكومة سياسية حزبية على معظم الحقائب الوزارية وأسندت لها 7 وزارات من بينها وزارة الخارجية التي تولاها الطيب البكوش، أمينها العام. أما جبهة الإنقاذ الوطني الممثلة في البرلمان بنائب واحد، فقد أسندت لها كتابة دولة(وزارة دولة) واحدة.
وعاد حزب آفاق تونس، الفائز بثمانية مقاعد في البرلمان، بقوة بعد قطع الطريق أمامه في تركيبة الحكومة الأولى، وحصل على 3 حقائب وزارية هي وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، التي أسندت لياسين إبراهيم، ووزارة تكنولوجيا المعلومات والاتصال، التي أسندت لنعمان الفهري، ووزارة المرأة والأسرة التي أسندت لسميرة مرعي.
واحتفظ حزب الاتحاد الوطني الحر الفائز بـ16 مقعدا بثلاث حقائب وزارية، وخرج محسن حسن رجل الاقتصاد من التشكيلة الحكومية الجديدة بعد انتقادات عدة حالت من دون تعيينه على رأس وزارة السياحة.
وحافظ الصيد على نفس الأسماء التي عينت على رأس الوزارات السيادية الأربع أي الداخلية والدفاع والعدل والخارجية. وسيطرت نسبة المتحزبين على نحو 70 في المائة من الحقائب الوزارية فيما أسندت النسبة المتبقية لعدة كفاءات مستقلة.
وبشأن المفاوضات العسيرة التي رافقت معظم اجتماعات حركة نداء تونس، والانقسام الذي عرفته جراء رغبة الصيد إشراك حركة النهضة في الحكومة، قال بوجمعة الرميلي المدير التنفيذي لـ«نداء تونس» في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لم نحصل على ما نريد في الحكومة الجديدة»، مشيرا إلى أن عدة هياكل داخل النداء على غرار الهيئة السياسية والكتلة البرلمانية للحركة ستعقد اجتماعات لتقييم تشكيلة الحكومة المعلن عنها. وأضاف أن قيادات الحزب الفائز في الانتخابات كانت لها أعين على تشكيلة الحكومة وأعين أخرى على من سيساندها لذلك اختارت الحل الوسط بإشراك حركة النهضة لضمان تأييدها عند عملية التصويت. وتابع قائلا: «أطرنا في الجهات (المناطق) غير راضية عن إشراك حركة النهضة التي خرجت من الحكم سنة 2013 لترجع إلى السلطة سنة 2015. ولكن للسياسة إكراهاتها»، على حد تعبيره.
وتشارك حركة النهضة في حكومة الصيد مشاركة رمزية إذ اقتصرت على وزارة واحدة و3 كتابات دولة هما: وزارة التكوين والتشغيل (العمل)، وكتابة دولة لدى وزير الاستثمار والتعاون الدولي، وكتابة دولة مكلفة تأهيل المؤسسات الاستشفائية، وكتابة دولة مكلفة المالية.
ويرى المراقبون أن مشاركة النهضة تؤشر إلى احتماء حكومة الصيد بأصواتها (69 مقعدا) لضمان الغالبية في البرلمان.
وسيتولى زياد العذاري، القيادي في حركة النهضة والمتحدث باسمها، وزارة التكوين المهني والتشغيل (العمل) وهو محام وخبير في القانون الدولي، انتخب سنة 2011 عضوا بالمجلس التأسيسي، وأعيد انتخابه عضوا بمجلس نواب الشعب (البرلمان) في الانتخابات البرلمانية لسنة 2014.
وستتولى آمال عزوز منصب كاتبة دولة لدى وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي مكلفة التعاون الدولي، وهي مختصة في الآداب واللغة الإنجليزية، أما كتابة الدولة المكلفة تأهيل المؤسسات الاستشفائية فسيتولاها نجم الدين الحمروني، وهو مقرب من عبد اللطيف المكي وزير الصحة السابق المنتمي لحركة النهضة، بينما ستتولى النائبة بثينة يغلان كتابة الدولة في المالية.
ومن المنتظر عرض التشكيلة الحكومية على البرلمان غدا الأربعاء لنيل الثقة والتصويت، ومن المرجح أن تحظى بدعم قوي يتجاوز 180 صوتا وهو أعلى رصيد من الثقة تحصل عليه حكومة من الحكومات المتعاقبة بعد 2011. وتحتاج الحكومة لـ109 أصوات للحصول على ثقة البرلمان أي 51 في المائة من إجمالي أعضائه.
وبشأن انعكاس إشراك حركة النهضة في الحكومة على عملية التصويت، قال وليد البناني القيادي في حركة النهضة لـ«الشرق الأوسط» إن حزبه سيساند حكومة الصيد بعد استجابتها وتحقيقها لشروط حركة النهضة بتشكيل حكومة وحدة وطنية.
ومن ناحيته، قال عماد الدايمي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية لـ«الشرق الأوسط» إن موقع حزبه (4 مقاعد برلمانية) سيكون في المعارضة، ولن يمنح ثقته للحكومة لأنها، على حد قوله، غير قادرة على تنفيذ إصلاحات جذرية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي. وانتقد الدايمي تركيبة حكومة الصيد، وقال إنها «هشة وغير منسجمة»، ولن تعمر طويلا، على حد تعبيره.
ويتوقع المراقبون أن يقود تحالف الجبهة الشعبية(15 مقعدا برلمانيا) المعارضة، بيد أن المفاجأة قد تكون في «حراك شعب المواطنين» الحركة السياسية التي يقودها المنصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق، والمنتظر الإعلان عنها رسميا في العشرين من مارس (آذار) المقبل، إذ يتوقع أن تلعب نفس الدور الذي لعبته جبهة الإنقاذ، التي أدت إلى إسقاط حكومة علي العريض بزعامة حركة النهضة.
وبشأن مشاركتها في الحكومة وتأثير ذلك على المشهد السياسي، قال رياض الشعيبي القيادي السابق في الحركة الذي استقال منها، وأسس حزب البناء الوطني، لـ«الشرق الأوسط»، إن التركيبة الجديد للحكومة لا تختلف كثيرا عن التركيبة الأولى، وهو على حد تعبيره، يحمل في طياته عوامل ضعف كثيرة.
وذكر الشعيبي أن مشاركة النهضة في الحكومة جاءت نتيجة خيارات ومسار سياسي بدأ في اجتماع باريس (فرنسا) في صيف 2013 بين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي، وهو مسار رفضه حزب البناء الوطني لأنه، على حد تعبيره: «أعاد المنظومة القديمة إلى السلطة». واعتبر الشعيبي أن موافقة حركة نداء تونس على مشاركة حركة النهضة في الحكم كانت لمكافأة شريك الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية والرئاسية على دعم النهضة للحوار السياسي والميل إلى التوافق خلال المرحلة الانتقالية.
وعن مآل هذه الحكومة التي ستحظى وفق المؤشرات الأولية بعدد كبير من المؤيدين داخل البرلمان، قال الشعيبي إنها لن تحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي على حد قوله، لأنها مبنية على تحالفات هشة ولأن أعداد الرافضين لها داخل كل حزب سياسي أكثر بكثير من الموافقين.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى