أفلا تعقلون؟
الحضارة الإسلامية حضارة العلم والدين بامتياز، وليست بالحضارة الهمجية التي تقلل من شأن العلم أو تلغي العقل، والتاريخ خير شاهد على أن الإسلام لم يكن كتلك الحضارة الغربية المزعومة الهمجية في الحروب الصليبية عندما أحرق مبشّروها في بلاد الشام ما يزيد على ثلاثة ملايين مجلد من خيرة ما كتبته الإنسانية.
صحيح أن الإسلام دين العقل، ولكنه لا يجعله حاكماً مطلقاً فيعجز عن إدراك الروحانيات السامية، كما لا يجعل العلم حاكماً فيتيه في تفاصيل المادة، بل مزج بينهما وأضفى عليهما شرط الإيمان الغيبي، فكشف بذلك ما وراء العقل. وقد حث القرآن الكريم أصحاب العقول على التدبر والاعتبار، فقال تعالى: “فاعتبروا يا أولي الأبصار”، وجاءت في ختام كثير من الآيات دعوات لذلك “أفلا تعقلون”، “أفلا يتفكرون”.. وقد كانت أول سورة نزلت على رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام قوله تعالى “اقرأ باسم ربك الذي خلق”، فأمر الله بطلب العلم، وقال كذلك: “وقل ربِّ زدني علماً”، وقال: “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”، وهذا نفي للمساواة بين العلماء والجهلاء. ويقول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: “من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة”؛ فالعلم ينمو في إطار الدين ليخدمه، ولن تبنى حضارة وتعمر الأرض إلا بدين قويم، ولن تقوم حضارة إلا بعلم لا يعارض الإسلام.
لقد جمعت الحضارة الإسلامية بين العلم والدين، وكما قدرت للعلم مكانته فقد قدرت للعلماء شأنهم ومكانتهم، وهناك الكثير من الشواهد التي برهنت على التجانس بينهما، فهاهو واقعنا القائم على العلوم الحضارية التي قدمتها الأمة الإسلامية، وكيف تم الاستشهاد والاستنباط من أصول الدين، وكيف جمع الحوار بين العلم والإيمان بالثوابت الدينية، وكيف ازدهر العلم في إطار الدين، فالكتب التاريخية والعلمية والفلسفية والطبية و.. الموروثة خير برهان على ذلك. وقد نفكر بمستقبل الحضارة أيكون بمنظار الحضارة الإسلامية المشرقة في تلك الحقبة التي عاش فيها أجدادنا أم هو بمنظار حضارة العلم المعادية للدين؟
ألا يعقل هؤلاء كيف كان التآلف بين الدين والعلم، هذه ترجمات أثبتت أن الحضارة الإسلامية التي مزجت بين العلم والدين كانت من أبلغ الحضارات، حيث ترجمت إلى اللاتينية مؤلفات الرازي وابن سينا وابن رشد وغيرهم، وترجمت كتب علماء اليونان إلى العربية كأرسطو وآرخميدس وسقراط وأفلاطون وغيرهم، ألا يكفي هذا دليلاً قاطعاً لرقي الحضارة الإسلامية؟ لقد قدمنا للبشرية الكثير من المنافع التي لم تقدمها الحضارات التي سبقتها، وبالمزج الصحيح بين العلم والدين تنهض جميع أمتنا مجدداً ومن ورائها أمم أرادت النهضة الحقيقية.
فيصل أحمد الأذينة ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @faisalalothinah