دستور الوطن العربي
أحد الأمنيات التي كنت أتمناها وأحلم بها وإلى الآن تراودني هي الرجوع بالزمن للخلف؛ ليس فقط إلى سن الطفولة ولكن إلى فترة لم أكن قد ولدت فيها، كنت أحلم بالرجوع بالزمن للوراء في وقت كان فيه صنف الرجال الحقيقيين متوفر بكثرة.
وقت كان فيه النضال واجب وطني والغريب أن هذا النضال كان يجتمع عليه الفقير والغني، المتعلم والجاهل، المثقف والعامي ـ كان الهدف الحقيقي هو إعلاء مصلحة الوطن وانصهار جميع طبقات وفئات الوطن في قلب واحد لا يشغله إلا حب الوطن وإعلاء المصلحة العامة والعليا للوطن.
في هذا الزمان كان من السهل الاجتماع على رأي واحد يرضي جميع الأطراف (هذه الجملة التي أصبحت الآن من معجزات هذا الزمان) في الماضي كان من السهل نسيان الفوارق والمذاهب والديانات والألوان والالتفاف حول مشروع قومي يعود بالفائدة على كل هذه الطوائف ـ كان من السهل أن يقوم الحاكم بدعوة معارضيه قبل مؤيديه وإجراء مناقشة لا يعلو فيها صوت فوق صوت المصلحة العليا للبلاد.
في هذا الزمان كان الوطن يعاني أمراض كبيرة وكثيرة بالمقارنة بالوضع الحالي، فعلى سبيل المثال كانت معظم دول الوطن العربي محتله ويتحكم في ثرواتها الغرب وكان الوطن العربي يعاني من قلة الإمكانات والموارد البشرية والعلمية ومع ذلك كان من السهل أن يجتمع الفرقاء على رأي واحد لتعلو به مصلحة البلاد والعباد.
وفي وقت ليس ببعيد عن هذه المرحلة كان من السهل أيضاً أن يقوم حكام الوطن العربي بكتابة دساتير جامعة مانعة وواضحة وتعطي كل ذي حق حقه وتضع النقاط فوق الحروف، لكل من أفراد الوطن حقوقه وواجباته دون التعرض لدين أو عرق أو جنس وكانت التلاحم هو الصفة الظاهرة حينها مع ذكر عدم وجود الإمكانات والعلم المتوفر حالياً، إلا أنهم استطاعوا أن يفعلوا ما لم نستطيع في كثير من بلدان الوطن العربي أن نقوم به.
نحن الآن يا سادة في الألفية الثالثة عاجزون عن كتابة دستور يحدد لنا حياتنا ويفصل بين مؤسسات بلادنا عاجزون عن إعطاء المعاق حقه والمرأة حقها والطفل مستقبله والشاب حياته والمسن مكافأته، عاجزون عن صياغة دستور يحدد علاقتنا بالحاكم وعلاقة الحاكم بشعبه ورعيته دستور يفصل بين سلطات البلاد وعدم طغيان سلطة على حقوق سلطة أخرى دستور يضمن للأجيال القادمة الحق في تعليم متطور وصحة جيدة ومسكن مناسب وحياة كريمة.
كل هذا عجزنا عنه وهو كان في الماضي القريب أمر سهل المنال بمجرد الدعوه لصياغته والسبب هو إنكار الذات وإعلاء مصلحة البلاد لن نسمع في الماضي القريب عن أفعال مثل التي تحدث الآن من كلا الطرفين من يعارض ومن يحكم فالطرفان يتحملان الخطأ المشترك في كل ما يعاني منه وطننا ولا أقصد بكلامي هنا بلدي مصر فقط ولكني أتكلم عن معظم بلدان الوطن العربي التي تعاني من فراغ دستوري غير مسبوق وبقية بلدان الوطن التي لديها بالفعل دستور تريد وتسعى جاهدة قوى كثيرة بها لتعطيل هذا الدستور وتعديله بما يتناسب مع مصالحها وأهواءها.
هل يعقل يا سادة في هذا التوقيت من الزمان أن نتجادل ونتعارك على أمور حسمها من سبقنا وعاش على أراضينا وحافظوا عليها وسلمنا الراية عالية نقية خالية من الاستعمار والإذلال والمهانة؟ هل يعقل أن نختار بكل قوانا العقلية أن نعود إلى الجهل والعصبية والتشرذم؟ هل يعقل أن نصل إلى مرحلة لا يتحمل فيها بعضنا البعض؟ هل سنعود إلى وقت كان يتعامل فيه المستعمر معنا على أننا حيوانات أو على أقصى تقدير عبيد لا يستحقون العيش بكرامة.
نداء إلى كل القوى السياسية في أقطار الوطن العربي أفيقوا قبل فوات الأوان، اجتمعوا على قلب رجل واحد لإعلاء مصلحة الوطن اجتمعوا ولو مرة واحدة على سبيل التجربة لتقريب وجهات النظر وإنكار الذات والعمل على تنمية مجتمعاتنا ـ نريد دعوة إلى الالتحام ونبذ الفرقة والعصبية، دعوة يجتمع فيها كل طوائف مجتمعاتنا لكي نعيش في أمان سوياً قبل أن لا نستطيع حتى أن نعيش في أوطاننا.
ما أتمناه من حكومات وطننا العربي دون استثناء هو أن يقوموا بتغيير خطابهم السياسي الداخلي والخارجي لكي يتلاءم مع أفكار وتطلعات الشعوب في زماننا هذا حتى لا تكون الحكومات في واد والشعوب برمتها في واد آخر وكل منهما لا يستطيع إيصال صوته للآخر، يجب أن يقوم السادة الحكام العرب بتغيير معظم ما يتخذونهم من مستشارين طاعنين بالسن وإبدالهم بمستشارين شباب ممن يتمتع فيهم باللياقة الذهنية والطموح العالي وبعد النظر لكي تتماشي سياستكم الموقرة مع ما يطمح إليه الفئة الغالبة من الشعوب وهي فئة الشباب؛ لأنها كما علمنا أجدادنا وأباؤنا الحكام السابقين أنهم عماد الوطن وساعده القوي ـ لا أطلب هنا أن يتخلى الحكام عن من لديهم الخبرة ولكن يجب أن يتم تجديد الدماء والدفع بمن هم أقل سناً وأكثر طموحاً لكي نلحق بركب التطور العالمي الذي سبقنا بمئات آلاف من السنين الضوئية.
نريد أن نكون بحق شعوب تحيا حياة كريمة تتمتع بالديموقراطية والحرية والعلم، نريد أن نصبح أمة متقدمة بحق لأننا لدينا ما يؤهلنا لذلك يجب أن نتخلص من عقدة الخواجة وأن نعتمد على أنفسنا في مأكلنا وملبسنا وصناعتنا وتعليمنا، نريد أن نكون العرب القدامى أصحاب الهمة والتاريخ والأخلاق الحميدة والدين الوسطي الحنيف.
أتمنى أن تعود أصول الزمن القديم وتمتزج بتكنولوجيا الزمن الحديث هل يمكننا ذلك؟!
محمد سمير ـ كاتب مصري
Twitter: @Momo202005