قلم الإرادة

الإسلام والحضارة

   إن الإسلام شريعةٌ كونية حلّقت فوق مراقي العقل البشري، وقد جعله الله مبنياً على أساسٍ من فكر متين، وهو بذلك يملك حزمة من العناصر الحيوية الذاتية، والقدرة على التميّز الحضاري والرقيّ الفكري؛ فحركات الترجمة والكتب والمصنفات والمتون.. خير شاهد على انتصارات علمية عقلية حققها المسلمون، و”لا إله إلا الله” كلمة بحد ذاتها تقود منهج الحياة لقائلها وتضعه في ركائب الناجين بإذن الله، وأما المثبِّطون فيؤججون الصراع على هذا الدين و”يتّبعون ما تشابه منه”؛ لأنهم يدركون أنه المنهج الوحيد المالك لكل فكر وتصور في الكون والحياة.

 

الدعوة الإسلامية الراقية تنتشر في الغرب وتنمو كالعشب على حواف الأنهار، وما هي حتى الآن رغم ذلك -منذ عصور الانحطاط- إلا جهود فردية أو شبه جماعية، تنحصر غالباً في الجمعيات الخيرية والدعوية أو الدعاة الأفراد، دون أن تستند على إمكانيات أي من الدول العربية أو الإسلامية، بل تنتشر بجهود أولئك النفر بشكل محدود رغم غلبة عدم التفرغ الدعوي، والانشغال في طلب الرزق والعلم والمصالح الدنيوية لمعظم المهتمين بذلك، حتى أصبحت هذه الدعوة مقصداً ثانوياً لا أكثر في هذه البلدان، وهذا مما يؤخذ على المسلمين الآن، وهو عدم وجود دولة تتبنى نشر الدين الإسلامي حقاً وواقعاً، وتدعمه وترعاه مالياً وإعلامياً وثقافياً واقتصادياً.

 

إن الحضارة الإنسانية بنيت بزواج العلاقة بين الدين والعلم وعلى أكتاف الأمم والدول، لا بجهود الأنا الفردية أو الأيديولوجية العنصرية العرقية العصبية التي تقوم على تعظيم الذات واحتقار الآخر، فالفردية تعني انعدام الإنسانية، والدين مسند الارتقاء الحضاري، وهو يقود العلم والعقل، ويحميهما من الانحراف. وكما يقول المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون: “كان العرب المسلمون يفوقون النصارى كثيراً في الأخلاق والعلوم والصناعات، وكان من طبائع العرب الكرم والإخلاص والرحمة، مما لا نراه في غيرهم، وكان من طبائعهم النُّبل، والوقار، والعزة، مما كان يؤدي الإفراط فيه إلى المبارزة والشحناء”.

 

لا يخفى على ذي لبٍّ منصِفٍ أن ما يسمّى بحضارة الغرب “العلمانية” اليوم قامت على التضاد بين الدين والعلم، أما الحضارة الإسلامية الراسخة والباقية إلى قيام الساعة فهي خير شاهد على أن العلم مكانه الصحيح في خدمة الدين، وليس ينقص أهل الإسلام اليوم إلا التأسّي بأخلاق القائد المصطفى محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، حيث كان يمزج بين القيادة الإنسانية الحكيمة وتعليم الدين القويم وإبلاغه للعالمين، فسمت أمته وارتقت في قيادته وحسن تعامله مع الآخرين، وعندها انتصر الإسلام وانتشر بالآفاق حتى ربط أرجاء المعمورة ببعضها من الأندلس إلى الصين، وهو ما يدعونا في أيامنا هذه لنحقق سعادة الإنسان في دنياه وأخراه، ونعود لنقود البشرية من جديد.

 

فيصل أحمد الأذينة ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى