قلم الإرادة

إلى متى اعتزال المسجد الأقصى؟

   لنبدأ بقراءة هذه الأسطر القليلة متجردين باحثين عن الحق والصواب غير مصنفين ولا متحزبين ، بحثت وقرأت منذ فترة في هذا الموضوع ومواقف المسلمين في المؤتمرات الإسلامية تجاه الاقصى المبارك ومفهوم التطبيع الذي أرعبونا به طوال هذه العقود، وتأملت في وضع المسجد الأقصى منذ عقود وما هو عليه حال المسلمين الفلسطينين المعزولين عن الأمة هناك، وتخيلت لو أن الأقصى يعج بالمسلمين كمكة المكرمة والمدينة النبوية فهل سيكون وضع الفلسطينين هناك واستفراد اليهود بالمسجد الأقصى نفس وضعهم الآن!!! 

 

    لنحرك عقولنا قليلاً عن الجمود والتقليد ونحاول مناقشة هذه التساؤلات الخمسة التي أضعها بين أيديكم.

 

 موضوع اعتزال الأقصى وتحريم زيارته وهو تحت حكم إسرائيل واليهود لم أجد له دليل من القرآن أو السنة أو إجماع المسلمين بل هو مجرد فتوى أقرب لأن تكون سياسية، من هنا تحركت للبحث والنقد، فإن كانت الفتوى الشرعية تحتمل الخطأ والصواب فمن باب أولى أن تكون الفتوى المبنية على آراء ومواقف سياسية أقرب للنقد وإمكانية تغيرها لما هو أفضل للمسلمين ومقدساتهم، فهل اعتزال المسجد الأقصى أفضل أم تكثيف الزيارة له وجعله عالمياً لكل المسملين بدل من اقتصاره على الفلسطنيين والموجودين فقط تحت الحكم الإسرائيلي منذ أكثر من 50 عاماً وحيدين معزولين عن أمتهم!!! 

 

 

 

 أقول وأتساءل هذه الأسئلة الخمسة التي أرجو أن نحرك عقولنا في البحث عن إجابات لها:

 

1-  إلى متى نعتزل المسجد الأقصى؟ وما هو الدليل الشرعي على ضرورة الالتزام بهذه المقاطعة وأقصد زيارة المسجد الأقصى؟ 

 

2- ما هي الخطط البديلة التي وضعها من فرض على المسلمين هذه المقاطعة في حال عدم نجاح أهدافها؟؟ 

 

3-  ما هي السلبيات والإيجابيات التي حققتها هذه المقاطعة والعزلة؟؟؟ 

 

4- إن كانت المقاطعة واجبة فلماذا نحزن عندما يغلق اليهود  المسجد ولما نسمح للبعض بالصلاة فيه واقصد الفلسطنيين؟ 

 

5- ما الفرق بين فلسطين واسبانيا (الأندلس) ونصف أوربا وكثير من دول شرق آسيا؟؟؟

 

   لنبدأ بالاجابة على السؤال الأول فأقول: إن القرآن والسنة والاجماع لم يرد فيه شي يعزز من فتوى هذه المقاطعة ، أو حادثة مشابهة تستند عليها  هذه الفتوى ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أسرى به للمسجد الأقصى ولم يكن تحت حكم المسلمين ، وصلى بالأنبياء هناك وعرج للسماء وعاد للأقصى فهو كما  اطلق عليه بعض أهل العلم بوابة السماء عرج منه وعاد للأرض منه صلى الله عليه وسلم . وان قال قائل إن الاقصى أو مكة لم يكونا أصلا تحت حكم المسلمين فهذا مردود عليه ، فإن الارض كلها للمسلمين وكل الديانات السماوية جاءت بالاسلام والتوحيد . وليس هذا مجال للتفصيل في ذلك . وقد نفصله في مقال آخر بإذن الله .

 

   ودليل أقوى من هذا  وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبعد تكوين دولة الاسلام بالمدينة ذهب بالصحابة للعمرة بمكة وكانت تحت حكم كفار قريش وكانوا عدوهم الأول وكانوا على حرب معهم ، وحصل بينهم صلح الحديبة وفي العام التالي اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وقريش وصناديدها كانت تحكم مكة . 

 

   وثالثا : الأحاديث التي تحض على زيارة الأقصى وتذكر فضائله لم تستثني حالة وجوده تحت حكم غير المسلمين ولو كان محرما لبينه لنا النبي الكريم الذيم أكمل الله به الدين . 

 

   إذن هو اجتهاد قام به البعض من المسلمين وللعلم أصحاب هذه الفتوى لا يشكلون اجماع وليسوا من كل أقطار العالم الاسلامي وفتواهم كما ذكرت لا تستند لأدلة شرعية مجرد اجتهاد سياسي يحتمل الخطأ والصواب  ، فما دامت هذه المقاطعة اجتهادا من البعض من غير دليل من الكتاب والسنة  فلا يحق لهم التعنيف على من يعارضهم بدليل بل بأدلة قطعية على فشل هذا الاسلوب وسوء نتائج هذه الفتوى التي استمرت أكثر من 60 عاما. 

 

وننتقل للسؤال الثاني وهو هل لديكم خطة بديلة عن هذه المقاطعة واعتزال الأقصى في حال لم تحقق المرجو منها ؟؟؟؟ 

 

والجواب واضح ولكن للأسف اكتشفناه بعد أكثر من 60 عاما من عزلة الاقصى . 

 

   لا توجد خطة ولا حتى رؤية لغير المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس والذين مدحهم النبي صلاى الله عليه وسلم . فغير هؤلاء المرابطين من المسلمين في بقية دول العالم  مجرد متفرجين ويتحوقلون ويسترجعون كلما رؤوا انتهاكا للاقصى وامرأة تضرب أو عجوزا يهان أو شابا يقتل في ساحات الأقصى دفاعا عنه . 

 

   لا أقلل من أهمية الدعاء وقول لا حول ولا قوة إلا بالله أو انا لله وإنا إليه راجعون ، ولكن الله عز وجل أمرنا باعداد العدة والتخطيط والمؤمن كيسٌ فطن والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف .ونصرة المسلمين حق على كل مسلم والدفاع عن بيوت الله وأهمها المساجد الثلاث واجب على كل مسلم .

 

   وإجابة على السؤال الثالث أقول : إن العزلة حققت العديد من الإيجابيات ولكن ليس لنا نحن المسلمين بل لليهود والصهاينة ، فقد اعطتهم الفرصة للاستفراد بالعدد القليل من الفلسطنيين العزل ، وأعطتهم الحق بإدارة المسجد الاقصى والتحكم فيه والحفر تحته وانتهاك حرمته  وفتح باب زيارته للاجانب كمبنى تاريخي أو متحف . كل هذا لم يكن ليكون لو كان المسلمين يتوافدون على الأقصى بالمئات يوميا . وخاصة في عصر الانفتاح الإعلامي حاليا . 

 

أما فائدة العزل الاقتصادي وعدم استفادة اسرائيل من المسملين كسواح فهو من أضحك الحجج او لنقل من تلبيسات أبليس على البعض .

 

   فكلنا يعلم أن اليهود على مر التاريخ تجارا وأغنياء ، وكلنا يعلم كيف ومن أين تحضل اسرائيل وبسهولة على الدعم الملياري سواء من أمريكا أو من ألمانيا أو غيرها من الدول الصناعية الكبرى ، بل والمحافل الماسونية تسيطر على المشاهير وبعض الرؤساء والسياسيين والعديد من الأندية الرياضية ووسائل الاعلام التي تدر عليهم الثروات ،  وتفرض الماسونية على هؤلاء أتاوة ومبالغ ضخمة جدا ، ومن يعترض يتم تصفيته والأدلة من التاريخ القديم والحديث كثيرة جدا وليس هذا مجال ذكرها . 

 

   فالحديث عن استفادة اليهود من السياحة الاسلامية عند زيارة الأقصى مضحك ، بل بزيارتنا للأقصى سنعين الكثير من الفلسطينين المالكين للفنادق بالقدس وأصحاب المطاعم والمحال من المسلمين المعزولين عن الامة الاسلامية بسبب هذه الفتوى ، وسيشعر المسلمين هناك بإخوانهم وانهم ليسوا وحدهم معزولين عن العالم الاسلامي .

 

   السؤال الرابع اجيب عنه بالآتي : ان كان اعتزال الأقصى واجب شرعي فلماذا نسمح للفلسطنيين بالصلاة فيه بل ولماذا نحزن عندما يغلقه اليهود يوما ؟؟؟ هل يجب ان نغلق الأقصى ونهجره بحسب هذه الفتوى أو الرأي ؟

 

   التفريق بين مصلين فلسطينين ومصلين مسلمين من بقية دول العالم لهو أمر غريب . وإن كانت الفتوى تنطبق على الجميع فهل نؤيد اغلاق الأقصى نهائيا !!! فتوى عجيبة والأعجب منها سكوت الكثير من العلماء عنها .

 

   واما الإجابة عن السؤال الأخير وهو ما الفرق بين أرض فلسطين وأرض اسبانيا ( الأندلس ) ونصف أوربا المحكومة مسبقا من المسلمين؟ 

 

   فاقول : أنه لا يوجد فرق بين أرض فلسطين وأرض الأندلس من جانب أنهما كانتا تحت حكم المسلمين واغتصبتا منهم ، وكذلك نصف أوربا تقريبا فالاسلام وصل الى نصف سلوفاكيا والنمسا وما قبلها من الدول جنوب أوكرانيا وبلغاريا وجورجيا والكثيرمن دول الاتحاد السوفيتي و الكثير من الدول التي كانت تحت حكم الخلافة الاسلامية وتقام فيها الصلاة وتفرض فيها الجزية على أهل الكتاب ، فلماذا لا تمنعون المسملين من زيارة هذه الدول ؟ وتذهبون أحيانا للسياحة فيها !! وأختم بذكر ما ورد في فضائل الأقصى المبارك .

 

 

 

ففضائل المسجد الأقصى كثيرة جدا واختصر على أهمها : 

 

1-هي أرض الأنبياء، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه، وفيها صلى النبي صلى الله عليه وسلم إماماً بالأنبياء ليلة الإسراء والمعراج ،   و الله قد حباها بالبركة والقداسة, وتلك البركة تنطلق من المسجد الأقصى إلى ما حولـــه من البقـــــاع, قــــال تعالى: }سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَه{, وقال: }وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا{, وقال علـــى لسان موسى: }يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ{. كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا لها بالبركة في قوله: “اللهم بارك لنا في شامنا” (البخاري 7094), وبيت المقدس هو سُرَّةُ بلاد الشام. 

 

   2 –  وأن الصلاة في مسجدها تضاعف وتفضل على الصلاة في غيرها من المساجد إلا المسجد الحرام والمسجد النبوي.

 

و تعدل خمسمائة صلاة في غيره, دليله ما ورد عن أبي الدرداء: قال صلى الله عليه وسلم: “فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مئة ألف صلاة, وفي مسجدي ألف صلاة, وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة” (البزار 4142 وقال: إسناده حسن, وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/7: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو حديث حسن).

 

  3  – وهي أرض المحشر والمنشر، لما ورد أن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: “يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: “أرض المحشر والمنشر”.

 

4- وهي في آخر الزمان تكون أحب إلى المسلم من الدنيا وما فيها, لقوله صلى الله عليه وسلم: “.. ولنعم المصلى، وليوشكن أن يكون للرجل مثل سية قوسه (طرفي قوسه) من الأرض حيث يرى بيت المقدس خيرًا له من الدنيا وما فيها” (الطبراني في الأوسط 8230, وقال الهيثمي في الزوائد 4/7: رجاله رجال الصحيح).

 

  5  –   وقد حرص الأنبياء والصالحين على زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه والسكن في بيت المقدس ومجاورة الأقصى, فقد زار بيت المقدس عمر بن الخطاب وأبو عبيدة وسعيد بن زيد وأم المؤمنين صفية وأبو الدرداء وسلمان الفارسي وعمرو بن العاص رضي الله عن الجميع, بل إن موسى عليه الصلاة والسلام لما نزلت به الوفاة سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر, قال أبو هريرة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر” (البخاري 3407, مسلم 2372).

 

  6-  وأن من أهلها طائفة على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة، لما روى أبو أمامة الباهلي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم.. قالوا: فأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” (رواه أحمد 22320). 

 

  7 – ومن لم يستطع زيارته فليرسل زيتاً يضاء به  فعن ميمونة بنت سعد، ويقال بنت سعيد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قلت يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس، قال: “أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره” قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال:”فتهدي له زيتًا يسرج فيه، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه” (ابن ماجه 1407 قال البوصيري في مصباح الزجاجة 2/14: وإسناد طريق ابن ماجة صحيح رجاله ثقات، وهو أصح من طريق أبي داود).

 

بعد هذا كله أقول أن لم يكن هناك مانع شرعي أو أمني من  زيارة المسجد الاقصى فلا يجب أن نكترث بهذه المقاطعة والاستمرار بعزلة ثالث الحرمين الشريفين ، وعلى الأقل يجتمع فقهاء وعلماء المسلمين من كل بقاع الأرض ويصدروا رأيهم الواضح في هذه المقاطعة من الجانب الشرعي . لأن الجانب السياسي أثبت فشله في تحقيق شيء من أهدافه بهذه العزلة عن أقصانا الشريف.

 

**

 

يحيى الدخيل ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية

 

Twitter: @Aldakheel7

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى