رداً على الفاضل سامي النصف.. ألا ليت ديارنا لم تُستعمر يوماً
استغربت وبشدة نوعية الخطاب الذي ظهر به الكابتن سامي النصف في مقال منسوب إليه بعنوان (ألا ليت الاستعمار يعود يوماً) ومع احترامي لمكانته الثقافية والاجتماعية إلا أنه لأمرٌ مرفوضٌ من حيث المبدأ ومن حيث التطبيق بل ومرفوضٌ حتى وعلى سبيل التذمر من الواقع السياسي العربي الحالي أن يصدر من عربي مثقف مثل هذه الخطابات الشاذة التي تفتقد المنهجية العلمية في مقارنتها فضلاً عن ما تنشره من دعوى كارثية تحملها في طياتها.
– يتطرق مقالي إلى ثلاثة محاور، وهم كالآتي:
١) استدراكات أدعو الكابتن سامي للوقوف عليها.
٢) أسباب بطلان المقارنة بين الحكومات الإستعمارية وبين الأنظمة القومية الإستقلالية.
٣) رسالة محب للكابتن سامي.
أولاً: استدراكات أدعوا الوقوف عليها:
١) وجَّهَ الكابتن سامي أذهان قارئيه لإستحضار أحداث الستين سنة السابقة فقط، وبهذا يكون قد اقتطع الأحداث من سياقها التاريخي الممتد لفترة لا تقل عن ضعف السنوات الستين التي قيدها في مقاله دون ضابط علمي محدد، علماً بأن الفترة التي أهملها تشكل بذاتها الجذر التاريخي والظروف الموضوعية لفهم مبررات وتحديد اهداف سلوك الحكومات الإستعمارية وسلوك الحكومات القومية العربية الإستقلالية.
٢) إطلاق الكابتن سامي لمقولة ( يردد مخضرمون دول الحواضر العربية أن أيام الإستعمار أفضل من الأيام اللاحقة، وأنهم-أي المخضرمين العرب- يتمنون عودة الإستعمار ) إطلاق لا يعني فيه بالتأكيد مخضرمون إتجاه فكري معين دون آخر لأنه أطلق الوصف في السياق السابق، ولأن الأصدق في حال كان اتجاه فكري معين أن يسميهم بمخضرمين التيار كذا… لا أن يطلق كما في مقاله، وعليه فإني أطلب من الفاضل سامي النصف تسمية المخضرمين العرب من مختلف الإتجاهات الفكرية الذين قالوا بفضل الإستعمار وتمنوا عودته.
٣) قال الكابتن سامي ( والحقيقة أن تاريخنا مليء بالأكاذيب والمغالطات، وعلى رأسها أن الإستعمار هو الذي فرّقنا وقسّمنا على طريقة فرّق تسد )
وأنا هنا أتسائل … أي تاريخ يقرأ السيد سامي؟؟ فهل تاريخه الذي يقرأه غير التاريخ السياسي المدون في المكتبات العلمية وفي الإتفاقيات والمعاهدات الدولية ؟؟
ولكنني سأعذره هنا أيضاً لأنه اقتطع التاريخ واقتصر على احداث الستين سنة السابقة فقط لسبب ما في نفسه لا نعرفه، ولكن ما نعرفه أن السبب الذي في نفسه أدى إلى إخفاء حادثة سنة 1916م والتي تمت فيها الإتفاقية الإنجلوفرنسية (سايكس بيكو) لتقسيم منطقة النفوذ البريطاني والفرنسي في منطقة الهلال الخصيب، كما أدى إلى إخفاء مؤتمر ( سان ريمو ) الذي عقد في عام 1920م، كما أخفى معاهدة ( لوزان ) التي عقدت في عام 1923م والتي نتج عنها تسليم الأقاليم السورية الشمالية لأتاتورك كما نتج عنها تقسيم المشرق العربي إلى عدة دويلات، وهناك العديد من المعاهدات والمؤتمرات والإتفاقيات والمماحكات السرية والمعلنة التي أدت إلى تقطيعنا وتقسمنا وما زلنا نلوك مرارة نتائجها إلى يومنا الحالي.
ثانياً: أسباب بطلان المقارنة بين أداء الحكومات الإستعمارية وبين الحكومات القومية الإستقلالية.
١) تجربة الدولة القومية ذات الحدود والسيادة تجربة حديثة بالنسبة للدول العربية، حيث أن بلداننا قبل الإستقلال لم تعهد فلسفة تكوينها وطبيعة إدارتها، في الوقت الذي تمتلك فيه الحكومات الإستعمارية كماً متراكماً من الخبرة ابتدء تراكمه منذ معاهدة وستفاليا عام 1648م، لذلك ليس من العدل قطعاً أن نقارن بين أداء من خبرته لم تتكون بعد، وبين من خبرته تمتد لحوالي 300 سنة.
٢) اختلاف الظروف الموضوعية بين الحكومات الاستعمارية وبين الأنظمة القومية، فدول الحواضر العربية كانت تتمتع برفاه اقتصادي ومعيشي قبل الإستعمار لذلك حرص الإستعمار بعد بغيه علينا أن تستمر أنماط معينة من الرفاه لتجنب ثورة ممانعة شعبية عامة تطالب بطرد المستعمر خصوصاً وأن الثقافة العربية والإسلامية تستنكر وترفض الوجود والوصاية الأجنبية، بينما الأنظمة القومية اللاحقة لا تعاني من مشكلة ( أزمة الشرعية ) في بداياتها، والتي عادةً تدفع من في السلطة نحو العطاء للتهدئة أو العطاء لكسب الثقة فالشرعية، ومع غياب ذلك الدافع نحو العطاء ومع قل خبرة أنظمتنا القومية طبيعي أن يكون الوضع العربي الحالي على ما هو عليه حتى تنضج الثقافة السياسية العربية ويتغير السلوك السياسي الشعبوي، ومع مزيد من التجارب الفاشلة ومزيد من الأوضاع الخانقة فسيصنع الحنق الشعبي العربي في دول الحواضر نموذجه السياسي الخاص في إطار دولته القومية التي ستضمن له بالنهاية عملية التداول السلمي للسلطة ووصول حكومات ذات كفاءة تحاكي وتلبي حاجات الشعوب العربية، ومتى ما نضجت واستقرت المنظومة الثقافية والسلوكية العربية وتساوت الظروف الموضوعية مع ظروف الحكومات الاستعمارية فعندها قد تصدق المقارنة في الأداء، أما اليوم فالمقارنة باطلة.
٣) الإستعمار كان يسيطر على رقعة جغرافية كبيرة بمواردها وأموالها وإمكاناتها، فمثلاً بين عامي 1910م/ 1950م كانت تخضع للإحتلال الفرنسي كل من (الجزائر-تونس-المغرب-جيبوتي-سوريا-لبنان) وكان بمقدور فرنسا صاحبة السيادة والسلطة المركزية على كل هذه الدول أن تعوض القصور في لبنان من إمكانات سوريا مثلاً للحفاظ على هدوء اللبنانيين، بينما الدول القومية اللاحقة لم تكن تمتلك هذه القدرة لأن سيادة كل منها مقتصرة على إقليمها المحدود الذي يفتقر لوحده إلى الموارد والإمكانات الكافية والمريحة، وعليه فإن المقارنة لا تصح لإختلاف كم ونوعية إمكانات الطرفين في القضية.
ثالثاً: رسالة محب للكبتن سامي:
كوننا نتبنى إتجاه فكري معين لا يعني ذلك أن نأخذ من التاريخ-الثابت صحته- ما يوافقنا وأن نهمل منه ما لا يوافقنا، لأن ذلك سيؤدي إلى تزييف الحقائق وتوصيل معلومات خاطئة يتلقاها العقل الشعبي فينتج عنها في عقله حسابات خاطئة ثم قرارات شعبية فردية فجماعية خاطئة
قد تدخل المجتمع في كارثة جميعنا نرفضها.
لا أكتب هذا الخطاب دفاعاً عن حكومات دول الحواضر العربية القومية الفاشلة، بل أؤكد معك على كون أدائها سيء ويرثى له ولكن .. لا يعني ذلك أن ندعو الإستعمار للعودة لأنها وكما تعلم .. خياانة أنت لا تقبلها.
ولتعلم يا كابتن .. أن الظاهرة الإنسانية عموماً والسياسية منها خصوصاً .. لا يمكن إخضاعها لخيارين لا ثالث لهما .. فهناك دائماً وأبداً خيار ثالث ورابع وخامس تشكله المعطيات والمتغيرات،
ولا أحد يدعي أن ظاهرة سياسية معينة لها خيارين لا ثالث لهما، إلا مؤدلج أو موجهه ينوي تعبئة الشارع لإتجاه معين.
الإستعمار كان تجني على الشعوب العربية، وثِق يا كابتن أن الإعمار الجزئي الذي حصل بعهد الإستعمار إنما كان من أموال شعوب دول الحواضر العربية والتي نهب المستعمر معظمها، وعليهِ فإن المستعمر ليس مشكوراً كما يُفهم من سياق مقالك.
وفي الختام أرد على دعوتك بـ(وجوب) تكريم اليهود العرب الوطنيين الذين هاجروا إلى إسرائيل بسبب مضايقاتنا لهم بالآتي:
لماذا أهملت تكريم من تكريمهُ أوجب كالمقاومة الفلسطينية الوطنية والشعب الفلسطيني المهجر والمشرد، وأوجبت تكريم اليهودي العربي الذي هاجر لإسرائيل والذي بهجرته اضاف شرعية ضمنية للكيان الصهيوني في فلسطين ؟؟
**
عبد الله خالد الغانم ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @aalghanim11