إقليمي وعالمي

ما بين “القاعدة” و”داعش”: الظواهري يتجاهل إعلان “الخلافة”

منذ إعلان تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” الخلافة، ومبايعته زعيمه أبو بكر البغدادي “خليفة” على المسلمين، لم يخرج أي موقف رسمي واضح عن زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري، يرد فيه على هذا الإعلان، بالرغم من أن زعامته لحركات “الجهاد” العالمية هي المستهدف الأساسي منه، خصوصاً أنه مع الواقع المستجد بات على الظواهري أن يعلن مبايعته “الخليفة”، بعد أن كان الأخير يعتبره أميراً له في الماضي عندما كانت “الدولة الإسلامية في العراق” تعتبر جزءاً أساسياً من تنظيم “القاعدة”.
منذ أشهر طويلة، هناك صراع كبير على المنتديات “الجهادية”، بين أنصار تنظيم “القاعدة” وأنصار “الدولة”، فالخلاف لم يبدأ من اليوم، بل يعود إلى لحظة إعلان البغدادي “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ورفض زعيم جبهة “النصرة” أبو محمد الجولاني ذلك، وتأكيده بيعته لزعيم تنظيم “القاعدة”، وبعد صدور الموقف الحاسم الداعم لموقف الجولاني من الظواهري أصبح واضحاً أن هناك خلافاً جوهرياً في الرؤية بين التنظيمين، ومع مرور الأيام ظهرت عداوة كبيرة بين أنصارهما، رغم أن كلاً منهما في النهاية يعمل من أجل تحقيق الأهداف نفسها.
في التاسع والعشرين من حزيران الماضي، أعلن المتحدث باسم “الدولة” أبو محمد العدناني، في تسجيل، أن “الدولة” ممثلة بـ”أهل الحل والعقد” فيها من الأعيان والقادة والأمراء ومجلس الشورى قررت اعلان قيام “الخلافة الاسلامية” وتنصيب “خليفة” دولة المسلمين ومبايعة البغدادي، فقبل البيعة، وأصبح بذلك إماماً و”خليفة” للمسلمين في كل مكان، وبذلك يمكن القول أن “الدولة” قررت إنهاء زعامة الظواهري والقضاء على مرجعية “القاعدة” بالنسبة إلى الفصائل والتنظيمات المنتشرة في أكثر من مكان من العالم.
منذ ذلك الوقت، لم يعد الخلاف محصوراً في أرض العراق وسوريا، بل إمتد إلى كل مكان تنتشر فيها التنظيمات “الجهادية”، بعضها أعلن “مبايعته” “الخليفة” الجديد، في حين رفض معظمها هذة “البيعة” وقرر تجديد “البيعة” لزعيم “القاعدة”، وهنا يمكن الإشارة إلى أن تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” جدد البيعة للظواهري، مؤكّداً رفض إعلان “الخلافة” في العراق وسوريا، متسائلاً: “كيف يتمّ إعلان كهذا من دون مشورة قيادات المجاهدين الذين ثبت صدقهم وولاؤهم ونصحهم للأمّة وسعيهم لإقامة الخلافة الراشدة”، معتبراً أنه “من البديهي والمسلم لدى كل التنظيمات الجهادية أن إعلان خطوة خطيرة كهذه لا يتم إلا بعد توسيع المشورة”، إلا أن المنطقة الوسطى في التنظيم نفسه أعلنت “مبايعتها” البغدادي، معتبرة أن “إعلان الخلافة في منطقة العراق والشام يفرض على الجماعات الجهادية مبايعتها”.
 
“الشورى” و”البيعة”
يعود أصل الخلاف إلى مبدأ “الشورى”، حيث أنّ البغدادي يتصرف من دون أخذ رأي “أهل الحل والعقد” بحسب أنصار “القاعدة”، والظواهري في ردّه على إعلان “الدولة الإسلامية في العراق والشام” يقول: “أخطأ البغدادي بإعلان دولة العراق والشام الإسلاميّة دون أن يستأمرنا أو يستشيرنا بل ودون إخطارنا”، في حين أن البغدادي أعلن في تسجيل سابق لرد الظواهري أنه استشار “أهل الحلّ والعقد” وأنهم باركوا هذه الخطوة، لكن الجولاني ردّ بالقول أنه لم يُستشر بل وإن كبار “علماء النصرة” لم يتبلغوا خبر الدمج إلا عبر وسائل الإعلام.
بالنسبة إلى البغدادي، الظواهري يرتكب “مخالفات شرعية”، فهو سبق له أن أعلن في تسجيل صوتي، قبل إعلان “الخلافة”، أنه “إني خُيّرت بين حكم ربي وحكم الظواهري فاخترت حكم ربي”، ما يعني أن زعيم “الدولة” يرفض الإعتراف بزعامة زعيم “القاعدة” عليه. وفي رد المتحدث باسم “الدولة” أبو محمد العدناني الشامي على الظواهري، تحت عنوان: “عذراً أمير القاعدة”، يمكن فهم حقيقة ما يجري، حيث يؤكد أن “الدولةُ ليست فرعاً تابعاً للقاعدة، ولم تكن يوماً كذلك”. ويوضح العدناني أننا “كنا ولحين قريب نجيب من يسألنا عن علاقة الدولة بالقاعدة بأنّ علاقتها علاقة الجندي بأميره، وهي لجعل كلمة الجهاد العالمي واحدة، ولم تكن نافذة داخل الدولة، كما أنها غير ملزمة لها، فإنما هي تنازل وتواضع وتشريف وتكريم لكم منا”. وفي رد كبار أنصار “القاعدة” و”النصرة” على البغدادي والعدناني، يمكن فهم أهمية موضوع “البيعة” أيضاً، التي ينفيها العدناني كما هو ظاهر في الأعلى، وقد وضعت الكثير من الكتب والدراسات حول هذا الموضوع، لكن الظواهري كان حاسماً في توضيح الأمر من خلال رسالة نصية، هي في الأساس رد على بعض الاستفسارات التي وجّهها كلّ من: طارق عبد الحليم، هاني السباعي، وإياد قنيبي، وعبد الله المحيسني، والشيخ محمد الحصم، سامي العريدي، حيث قال: “قد بيّنت في كلمتي التي أخرجتها بعنوان “شهادة لحقن دماء المجاهدين بالشام” أن الدولة الإسلامية في العراق فرع تابع لجماعة قاعدة الجهاد، وأن أميرها وجنودها في عنقهم بيعة لجماعة قاعدة الجهاد، وأميرها الشيخ أسامة بن لادن ثم شخصي الضعيف، وقد تكرّر منهم ذلك مراراً”.
ويمكن الإشارة في هذا السياق، إلى بعض الكتب التي صدرت عن أنصار “الدولة الإسلامية” لدعم موقفها، “موجبات الانضمام للدولة الإسلامية في العراق والشام (اعتراضات وجوابات) لأبي الحسن الأزدي، الذي يعتبر فيه أن “مشروع الدولة الإسلامية في العراق والشام قد فات أوان الرجعة فيه، وتفارط الزمن عن إمكانية الإياب عنه، لعدة أسباب، والمعارض للدولة مهما كان لمعارضته لمشروعها من وجاهة في مبدأ الأمر، فهذا لا يُسيغ له استدامة المعارضة وقد أضحى المشروع حقيقة واقعة لا مجال لرفعها ونسخها”، في حين تولى أنصار “النصرة” الرد عليه من خلال “الرد على صاحب (موجبات الانضمام للدولة الاسلامية في العراق والشام… اعتراضات وجوابات) ونقض جواباته”، الذي يخلص معدّوه إلى أن “البغدادي لم يختاره جمهور أهل الحل والعقد الذين هم للمسلمين كلهم بل اختاره جمهور أهل الحل والعقد الذين هم موجودون في المناطق التي سيطرو عليها آنذاك”، ويؤكدون “أن عموم أو جمهور المسلمين لم يختاروه بل اختاره جمهور المسلمين المتواجدين في المناطق المراد السيطرة عليها وتحكيم شرع الله فيها”، ويضيفون: “لا يجوز أن يفترى على باقي المسلمين ويوجب عليهم أمر لم يحضروه ولم يدروا ما هو ولم يعين الا في مناطق محدودة خارجة عن ذهنهم”.
 
“القاعدة” و”الخلافة”
على الرغم من عدم صدور أي موقف من زعيم تنظيم “القاعدة” بعد إعلان “الدولة الإسلامية” الخلافة، إلا أن بعض القيادات التاريخية في هذا التنظيم، بالإضافة إلى مفكرين بارزين في الحركات “الجهادية” أعلنوا مواقفهم التي تؤشر إلى موقف “القاعدة” بشكل بعيد.
في هذا الإطار، ينتقد القيادي في التيار “الجهادي”، عمر محمود عثمان، المعروف باسم “أبو قتادة”، إعلان دولة “الخلافة الإسلامية” من قبل تنظيم “داعش”، مؤكدًا أنها بيعة “باطلة” و”لا تلزم إلا أصحابها” لأن ذلك لا يتم “إلا باتفاق أصحاب الأمر من أهل الشورى”. ويؤكد أن “أمر الإمامة لا يكون إلا عن رضا، ولا يحصل إلا باتفاق أصحاب الأمر من أهل الشورى، وهم المجاهدون في سبيل الله في الأرض من سوريا والشام واليمن وأفغانستان والشيشان والصومال والجزائر وليبيا وغيرهم من أهل النكاية في أعداء الله، وقد عقد أمر الخلافة بعيدًا عن هؤلاء”.
كما تبرأ أبو أسامة الشامي، نائب زعيم تنظيم “القاعدة” في العراق، أبي مصعب الزرقاوي، من البغدادي، وأبدى استياءه من زعم البعض أن تنظيم “الدولة”، و”أعماله المنحرفة هي امتداد للزرقاوي ومنهجه”، معلناً “براءة الزرقاوي، وجميع قادة تنظيم القاعدة الأوائل، مما تقوم به “الدولة” من غلو وإطلاق أحكام التكفير على الجماعات المجاهدة، واستباحة دماء المسلمين، وخطف وقتل المجاهدين، واغتيال قادتهم، ومن جميع ممارساتها المنحرفة”.
كما انتقد الشيخ أبو محمد المقدسي إعلان تنظيم “الدولة” لـ”الخلافة” بشكل لاذع، وأبدى تخوُّفه من “آثار هذا الإعلان على الساحة الجهادية”. وأشار إلى أن “الخلافة يجب أن تكون أمناً للمسلمين وملاذاً لهم وجنتهم المفقودة، لا ناراً ووعيداً وتهديداً وفلقاً للرؤوس.”
 
لماذا لا يرد الظواهري؟
قد يظن البعض أن المواقف التي تعبر عنها قيادات ومفكري تنظيم “القاعدة”، في الكثير من المناسبات، فيما يتعلق بموضوع إعلان الخلافة كافية، لكن بحسب ما هو ظاهر لا يزال الكثير من أنصار التنظيم، لا سيما في جبهة “النصرة” يطالبون بموقف واضح من الظواهري، خصوصاً أنهم يرون اليوم أن هناك خطراً كبيراً عليهم من “داعش”.
وعلى هذا الصعيد، يمكن التأكيد أن الظواهري أصدر موقفه الواضح الذي لا لبس فيه ولو أن الرجل لم يخض في الموضوع مباشرة، حيث أنه قبل أيام قليلة أعلن في شريط فيديو إنشاء فرع جديد في شبه القارة الهندية، لافتاً إلى أن “هذا الكيان لم ينشأ اليوم ولكنه ثمرة جهاد مبارك منذ سنتين لتجمع المجاهدين في شبه القارة الهندية في كيان واحد يكون مع الأصل، جماعة قاعدة الجهاد من جنود الإمارة الإسلامية وأميرها الملا عمر”.
 

في المحصلة، يتبين من خلال تطور الأحداث أن الإنقسام بات هو المسيطر على أرض الواقع عند ما يسمى بـ”الحركات الجهادية العالمية”، التي تعود في الأصل إلى تنظيم “القاعدة”، والظواهري لم يكتف بالرد على البغدادي وتنظيمه، بل من خلال الإعلان عن فرع “القاعدة” الجديد في شبه القارة الهندية ليكون بذلك قد تجاهله بشكل مطلق، إلا أنه قد يكون من المفيد لاحقاً التطرق إلى أصل الخلافات بين “القاعدة” وفرعها في العراق، الذي تحوّل إلى “الدولة الإسلامية” للتعرف على جذور هذا الإنشقاق الذي بات ظاهراً إلى العلن. فهل ستكون الحرب على الارهاب في المرحلة المقبلة بأن يأكل الارهابيّون بعضهم بعضًا؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى