الليبرالية بوابة الإلحاد !!
غرد الأخ العزيز فهيد الهيلم تغريدة تويترية هيج صوت صفير بلبلها قلبي الثمل !! وهاجت الردود وماجت في التويتر على أبي عبد العزيز وتفاوت شدتها من “السباب” إلى “اليباب” وغنى فيها مخالفيه ذاك اليوم كل على ليلاهم مطبلين على “ليبراليتهم” الجوفاء !!
نعم الليبرالية هي بوابة الإلحاد الكبرى في الوطن العربي… فمه !! فمن قبل بهذا فحي هلا به على مدرجات ملاعب الرأي والرأي الآخر ومن رفضه فقد نقض ليبراليته من القواعد لأن الليبرالية لا ترى الإلحاد كفراً بل فكراً يمكن القبول به وأتحدى هنا من يتخفى وراء قناع المصطلح “الميتافيزيقي” لليبرالية أن ينكر ذلك !!
الطليان يقولون أن الترجمة جريمة وهذا فعلاً واقع مؤلم فالبعض يظن أن ترجمة العلمانية هي تعريف للعلم بينما الترجمة الأصح هي “اللادينية” وكذلك الليبرالية البعض يظن أن ترجمتها الأسهل هي الحرية بينما واقع الحال التاريخي يرفض هذا النوع من الترجمة الحرفية غير المحترفة اصطلاحياً, فالحرية قيمة إنسانية لا ترتبط بفكر بقدر ارتباطها بحاجة إنسانية أساسية تساوي في قيمتها عند البشر الهواء والماء والغذاء, الإنسان مخلوق ناطق بالحرية ولسان حالة لا تمتطيه الحرية كفكر بل تعتليه كما يعتلي ساعي البريد ظهور خيله ليوصل رسالة ما, ورسالة الحرية تحمل سطورها طابعاً إنسانياً لا فكرياً ولا تستطيع الليبرالية ووكلائها احتكارها حصرياً ومنع جميع قطعان الفكر الإنساني من ورود عين مائها السلسبيل !!
الهيلم قال أن الليبرالية بوابة للإلحاد ولم يقل أنها إلحاد بحد ذاتها وهنا ما بين السطور الهيلمية فرق كبير لا يخفى إلا على متحامل يحسب أن كل “تغريدة” عليه, والتاريخ أثبت لك وأقصد التاريخ الغربي فالليبرالية العربية مستوردة وليست فكراً عربياً وكل منظريها هم من “العلوج” الأوروبيين ولا يخفى على كل ذي لب أن يعي أننا قبل أن نتمتع بالمنتج علينا أن نعود “كتالوج” بلد المنشأ (أوروبا) لنعرف خبر الليبرالية اليقين ونفصل في كونها بوابة الإلحاد كما وصفها الهيلم.
الليبرالية الأوروبية نشأت كفلسفة برجوازية وكمحاولة من المفكرين الأوروبيين لإيجاد حل وسط لا تموت به الكنيسة ولا تفنى قيم عصر النهضة, والكنيسة كانت عقبة كبرى أمام التقدم الأوروبي ويكفي للدلالة عن خصومتها مع التقدم أنها أعدمت مئات النساء الأوروبيات أيام حملة الساحرات بسبب قطة سوداء تكرر ظهورها أمام بيوت القساوسة وكذلك أحرقت عشرات العلماء لمجرد تفكيرهم بدوران الأرض حول الشمس !! ناهيك عن تراجيديا محاكم التفتيش السوداء التى أفنت زهرة شباب مفكري أوروبا !!
وبدون الخوض في التفاصيل لضيق مساحة المقال، الليبرالية عبر التاريخ إنقسمت إلى ثلاث أيدولوجيات 1: الليبرالية الاقتصادية وهو مقدمة للفكر الرأسمالي الذى يعيش هذه الأعوام موتاً إكلينيكياً بعد أزمته القلبية الأخيرة 2: الليبرالية السياسية وهي وإن كانت مرتكزة على الحريات البرلمانية والتمثيلية فقد كانت أيضاً مقدمة للتوسع الاستعماري الكولونيالي الأوروبي الذي نشر الحرية على طريقة “حج يا حاج ” وقمع شعوب الأرض وسرق خيراتها بحجة تحريرهم 3: الليبرالية الفكرية: وهي ظاهراً تتميز بروح التسامح والرفق ولكن واقع الحال يظهر أن الليبراليين هم غير متسامحين بشكل بارز مع من مخالفيهم وردود “آل ليبرال” على الهيلم هي أكبر دليل على هذه الروح الليبرالية ذات نكهة الحرية الاصطناعية !!
ما يهمنا هو أن مسيرة الليبرالية في أوروبا كانت مقدمة لبزوغ شمس الرأسمالية ثم القومية ثم الاشتراكية ومن ثم الشيوعية حيث اختلف وضع الليبراليين حين استلامهم السلطة مع أفكارهم وكدلالة على ذلك أوقف حكومة لبيرالي فرنسا في العام 1834 م حرية الصحافة وظهرت الليبرالية النابوليونية حين التف مفكري فرنسا حول الإمبراطور رغم جرائمه اللا إنسانية بحق الآلاف من سكان أوروبا, أما اقتصادياً فقد اتبع الليبراليين سياسة انتهازيه قال عنها الليبرالي دو روموزا ساخراً وهو يخاطب التجار “تعالوا وظفوا مصالحكم تحت حراسة أفكارنا ” وأحسن بودولوميني في وصفها عندما كتب “الاقتصاد الليبرالي قد كان في الواقع اقتصاداً احتكارياً !! “ويكفي للدلالة هل انتهازية الليبرال أنهم عدوا من قواعدهم العامة أنه لا يجب على الدولة ولا لأرباب العمل أن يحسنوا من مصير العامل, فهو المسؤول الرئيس عن بؤسه !! ولكن لا مانع من الإحسان الخاص إليه أي بمعنى آخر “التسول ” !!
هذا الزخم المتوحش لليبرالية تجاه القوى العاملة بحجة نظرية “دعه يعمل دعه يمر” كان بوابة لأعظم إلحاد عرفه العالم وهو “الشيوعية” التي جوهرها الماركسي حين حاول ماركس أن يقطف عنب العدالة في المجتمع فقتل ناطور الدين فكان كمن حاول أن يكحل عين الليبرالية فعماها !! … وهذه هي تماماً البوابة التي يقصدها فهيد الهيلم في تغريدته.
أفضل من وصف الليبرالية في نظري هو لويس روجيه حين كتب “الليبرالية الحقيقية هي التى لا تسمح بقتل الحرية من أجل الحرية. وليست الليبرالية المطلقة التي تسمح للسيارات أن تسير بدون قانون للطرق فتحدث الازدحامات والحوادث, الليبرالية الحقيقية هي التى تكون فيها السيارات حرة في أن تذهب كما تشاء إنما مع احترام قانون الطريق” وكل ما نريده من آل ليبرال هو احترام قانون طرق ثقافتنا العربيى الإسلامية.
أخيراً الحكمة ضالة المؤمن ونحن كمسلمين مطالبين بالتعلم من تجارب الآخرين على أن يكون المنتج النهائى يحمل المواصفات القياسية المبنية على ثقافتنا الإسلامية, هذه الثقافة التي حققت في يوم من الأيام مجدها التليد عندما آمنت بان خير جليس في الأنام “كتاب الله” وسنة رسوله وخلفائه الراشدين لا كتب توكفيل وستيوارت ميل وتجربة أوروبية تحمل بصمات الأوروبيين ونطالب نحن أن نبصم على بياض ورقتها بدون أن نفهم !! …ويكفيني القول أنه خلال الثورات العربية ظهر أن الليبرال هم أسود الكلام ونعام الفعال بينما الإسلاميين جهاداً في الساحات وانتخاباً من خلال الصناديق أثبتوا أنهم الصورة التي لا تقبل القسمة على أحادية طغيان بينما تقبل أن تضرب بالمدافع في سبيل حريتها .. فلا عزاء لـ “كوبي بست” الغرب من قومنا الذين حاولوا تقليد مشية الحمامة ففشلوا ونسوا مشيتهم ولا عزاء لمدعي التدين ممن فهموا قشور الدين وأهملوا لبه فكانوا أسوء “بلوك” أمام فهم معاني الإسلام عرفه تاريخنا !!
فالح بن حجري ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @bin_hegri