الاتحاد الأفريقي: لن نتسامح مع أي انقلاب عسكري مهما كانت طبيعته أو شكله

عاد الهدوء إلى أروقة مقر الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مساء أمس (الأحد)، بعد يومين من النقاش والاجتماعات في إطار أول قمة أفريقية تنعقد في المبنى الزجاجي منذ بداية جائحة «كوفيد – 19»، كان يراهن عليها من أجل اتخاذ قرارات حاسمة لمواجهة «موجة» انقلابات عسكرية تعصف بالقارة منذ أشهر، ولكن القمة اكتفت بإدانة أي تغيير للحكم خارج النظم الدستورية، كما أجلت الحسم في منح إسرائيل صفة «مراقب» في الاتحاد الأفريقي.
المفوض المكلف بالشؤون السياسية والسلام والأمن في الاتحاد الأفريقي، بانكولي أديويي قال خلال مؤتمر صحافي في ختام القمة، إن جميع القادة الأفارقة المشاركين في القمة «دانوا من دون أي لبس موجة تغيير الحكومات خارج النظم الدستورية»، وأضاف أديويي في حديثه أمام الصحافيين بمقر الاتحاد الأفريقي: «لن نتسامح مع أي انقلاب عسكري مهما كانت طبيعته أو شكله»، وأكد أن القمة انعقدت في ظل تجميد عضوية أربع دول بسبب وجودها في وضع غير دستوري، وأوضح: «يمكنكم البحث، لن تجدوا أنه سبق في تاريخ الاتحاد الأفريقي أن علق عضوية أربع دول، في غضون عام واحد»، في إشارة إلى السودان ومالي وغينيا وبوركينا فاسو.
وكان اليوم الأول من القمة الأفريقية قد ناقش وضع «مقاربة جديدة» من أجل تحقيق الأمن والسلم في القارة، ولكن البيان الختامي للقمة لم يتطرق لهذه المقاربة، كما لم يتحدث عنها المفوض المكلف بالشؤون السياسية والسلام والأمن في الاتحاد الأفريقي، مكتفياً بالإشارة إلى أن قادة أفريقيا ناقشوا مستقبل «مبادرة إسكات البنادق»، التي أطلقوها عام 2013 من أجل إنهاء النزاعات المسلحة في القارة في أفق عام 2020، ولكن الاتحاد الأفريقي اضطر لتمديد المبادرة حتى عام 2030، بسبب الصعوبات في تجسيدها على أرض الواقع، وتزايد بؤر التوتر في القارة.
وقال أديويي معلقاً على «مبادرة إسكات البنادق»، إنه بعد نقاشها من طرف القادة الأفارقة تبين أنه «لا يمكن إسكات البنادق وتحقيق السلام في القارة من دون حكم رشيد»، مشيراً في السياق ذاته إلى أن الحكم الرشيد مرتبط بشكل وثيق بتكريس الديمقراطية ومنع الانقلابات العسكرية، وقال: «سنعمل ما في وسعنا كمفوضية مع القادة الأفارقة لمنع هذه الانقلابات وتعزيز الهياكل الأمنية بدول القارة»، محذراً في الوقت ذاته من أن تتحول منطقة غرب أفريقيا إلى «بؤرة» للانقلابات العسكرية.
ودرج الاتحاد الأفريقي منذ فترة على أن يبني مواقفه من الانقلابات العسكرية والصراعات السياسية، على المواقف التي تتخذها المنظمات الإقليمية في القارة، حيث تتكتل دول القارة الأفريقية ضمن عدة مجموعات اقتصادية في غرب ووسط وشرق وجنوب القارة، وتلعب هذه التكتلات أدواراً مهمة في تسيير الأزمات الداخلية للدول، وتحظى بدعم قوي من الاتحاد الأفريقي، بصفتها «أداة أفريقية لتقديم حلول أفريقية لمشاكل أفريقية»، ولكنها في كثير من الأحيان لا تمنع «التدخل الأجنبي».
توحيد «الصوت الأفريقي» في القضايا الدولية كان أحد الأهداف التي ناقشتها القمة، وقد اعتبر القادة الأفارقة أن الاتحاد الذي تأسس قبل عشرين عاماً (2002) على أنقاض منظمة الوحدة الأفريقية، «يواجه اليوم صعوبة في تنسيق المواقف الأفريقية حيال العديد من التحديات»، وهو ما يمنعُ أن يكون لأفريقيا «دور أكبر» في الساحة الدولية، خصوصاً تحقيق مطلبها المتعلق بعضوية مجلس الأمن، والحضور القوي في الأمم المتحدة.
لكن الانقسامات الأفريقية ظلت حاضرة خلال القمة، وقد ظهرت أكثر أثناء نقاش قرار منح إسرائيل صفة «عضو مراقب» في الاتحاد الأفريقي، الذي اتخذه رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد في يوليو (تموز) الماضي، واعترضت عليه دول عديدة أبرزها جنوب أفريقيا ونيجيريا والجزائر، وتجنباً لتعميق الشرخ وتكريس حالة الانقسام قرر القادة الأفارقة بالإجماع «تأجيل» الحسم في الموضوع، وتشكيل لجنة تضم سبعة رؤساء لنقاش ودراسة الموضوع في إطار ضيق.
وتولى الرئيس السنغالي ماكي صال، رئاسة اللجنة المصغرة بصفته الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي، فيما كانت اللجنة بعضوية كل من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، ورئيس نيجيريا محمد بوهاري ورئيس الكاميرون بول بيا ورئيس رواندا بول كاغامي..
ومن القاهرة، رحب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بهذا القرار. ونقل بيان عن الجامعة عن مصدر مسؤول بأمانتها العامة أن قرار تعليق البت في عضوية إسرائيل كمراقب «يعد بمثابة خطوة تصحيحية، وتأتي اتساقاً مع المواقف التاريخية للاتحاد الأفريقي الداعمة للقضية الفلسطينية، والمناهضة للاستعمار والفصل العنصري، وكان لزاماً أن يتم اتخاذ هذا القرار الحكيم انطلاقاً من عدم مكافأة إسرائيل على ممارساتها غير القانونية بحق الشعب الفلسطيني». وذكر البيان، أن «مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري كان قد أدان في سبتمبر (أيلول) الماضي بالإجماع قرار رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي بتسلم أوراق اعتماد سفير إسرائيل لدى إثيوبيا كمراقب لدى الاتحاد».
في غضون ذلك، لم يتضح ما إذا كانت القمة التي عُقدت معظم جلساتها خلف أبواب مغلقة، تناولت مسألة الحرب الدائرة في الدولة المضيفة. وتستمر الحرب في شمال إثيوبيا بين القوات الحكومية ومتمردي جبهة تحرير شعب تيغراي منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وقد أسفرت عن آلاف القتلى وتسببت بمجاعة تطال مئات آلاف الأشخاص بحسب الأمم المتحدة. وأكد بانكولي أديويي أن «جميع قضايا النزاع مدرجة على جدول أعمال القمة».
ويجد الاتحاد الأفريقي الذي يقع مقره في العاصمة الإثيوبية، نفسه في موقف حساس بشكل خاص من هذا النزاع. وانتظر فقي حتى أغسطس (آب)، أي بعد تسعة أشهر على بدء القتال، لتعيين الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو مبعوثاً خاصاً مكلفاً التوصل إلى وقف لإطلاق النار. واستمرت عضوية إثيوبيا كذلك في مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي خلال النزاع، إلا أنه لم يتم تجديد ولايتها هذا الأسبوع، وفق ما أعلن دبلوماسيون.
وقال أديويي أمس إنه «ليس صحيحاً» أن رد الاتحاد الأفريقي كان بطيئاً. وأكد أنه «كان من المستحيل على الاتحاد الأفريقي ألا يتعامل مع هذا الموقف، وخصوصاً بالنظر إلى وضعه في إثيوبيا»، مشيراً إلى دور «الدبلوماسية المتكتمة والتبادلات الدبلوماسية التي لا يمكن عموماً الإفصاح عنه». وقال إن من المقرر أن يزور أوباسانجو المناطق المتضررة من القتال هذا الأسبوع.