مجرد التفاوض مع رئيس الوزراء .. ممارسة برلمانية غير أخلاقية!

من أهم الرسائل التي يجب قراءتها أثناء تحليل نتائج أمة 2020:
كثافة مشاركة الناخبين حتى مع تهديد فايروس كورونا وتذبذب الطقس وسوء التنظيم الذي تسبب بطوابير انتظار مملة بالساعات في يوم الانتخاب، وذلك يشير إلى رغبة الناس بإصلاح الوضع العام من خلال مؤسسات الدولة، لا من خلال الشارع، ومن ثم قامت الحكومة غير الحصيفة بقراءة المشهد بشكل خاطئ، وفوتت على الدولة فرصة استثمار هذه الأجواء العامة التي سادت نفسيات الناس مع بداية العهد الجديد، وتسببت بعدم حصافتها بإعادة مشاعر الإحباط والسخط من خلال دعم مرشح للرئاسة لا ينعكس مع رغبة الأغلبية المنتخبة ولا مع توجه المزاج والرأي العام مما أعاد أزمة الثقة إزاء مدى فاعلية مؤسسات الدولة من حيث المبدأ.
وزاد من تكريس السخط والاحباط تسبب الحكومة بتعطيل جلسات البرلمان بالتنسيق مع رئيس البرلمان الذي وصل للرئاسة بأصواتها، ولما فشلت الحكومة في احتواء غضب الشارع والبرلمان الناجمين عن موقفها التصويتي في الجلسة الافتتاحية، ولما أعلن نتيجة ذلك ولأول مرة في التاريخ أكثر من ثلثي البرلمان عدم تعاونهم مع رئيس الحكومة صباح الخالد، شرع الخالد بالهروب من مواجهة منصة الاستجواب وقام بتقديم استقالته، وقبل بإعادة تكليفه مجدداً ثم استهلك 37 يوماً من عمر الشعب لتشكيل حكومته، وأثناء ذلك قام بتعطيل جلسات البرلمان مجدداً بالتنسيق مع رئيس البرلمان دون وجود مبرر دستوري طوال مدة بحث رئيس الوزراء الطويلة – بشكل متعمد – عن وزراء حكومته الذين أصلاً لم يتغيروا عن التشكيل المستقيل إلا بشكل طفيف جداً، وذلك كمناورة منه لكسب مزيد من الوقت على رأس المسؤولية العامة دون الخضوع الفوري لمحاسبة البرلمان.
وبعد انتهاء الفترة التي “مدّ أجلها” رئيس الوزراء لإنهاء “تشكيله الحكومي” قام بمناورة أخرى تعطل البرلمان وتجعله أيضاً يستمر على رأس المسؤولية العامة دون الخضوع للمحاسبة الفورية من قبل البرلمان، حيث قدّم طلباً لصاحب السمو أمير البلاد ليستخدم حقه الدستوري بتعطيل جلسات البرلمان لمدة شهر، فيكسب بذلك الخالد شهراً آخر بدون برلمان وبدون محاسبة، علماً بأن دواعي الاستجواب الذي قدم استقالته الخالد إثره ما زالت قائمة.
وبسبب تعطيل البرلمان لمدة شهر لم يقسم حتى هذا اليوم أي وزير من الوزراء الذين استنفذ رئيس الوزراء 37 يوماً من عمر الشعب لتكليفهم، و30 يوماً آخرين من عمر البرلمان بسبب تعطيله، ومع ذلك قامت هذه الحكومة التي لم تقسم أمام البرلمان بعدة قرارات مصيرية وخطيرة حتى هذا اليوم وأبرزها:
1- قرار الحظر الجزئي (12 ساعة/شهر) والذي أوقع ضرراً مادياً جسيماً على معظم المشاريع الصغيرة والمتوسطة دون وجود دليل علمي أو عملي يثبت العلاقة السببية بين الحظر الجزئي وانخفاض معدل الإصابات، حيث بعد أسبوعين من الحظر ما زالت الإصابات مرتفعة جداً، وهناك آراء وجيهة تشير أن الحظر الجزئي له علاقة بشكل ما بالترتيبات الأمنية التي تسبق إعلان المحكمة الدستورية رأيها في ما يسمى بقضية شطب بدر الداهوم، حيث أن الحظر تم قبل أسبوع فقط من صدور حكم الشطب، علماً بأن هناك حكم سابق أعلن رأياً مغايراً عن ما جاء في الحكم الأخير، كما يجدر بالذكر أن هناك حكم تمييزي بات أعطى نفس النائب المشطوب على نفس القضية د. بدر الداهوم الحق القانوني بالترشح للبرلمان.
2- إغلاق الصالونات والنوادي لمدة شهر مما أوقع أيضاً ضرراً مادياً جسيماً على مُلاكها دونما وجود إثبات علمي أو عملي للعلاقة السببية بين إقفال النوادي والصالونات وعدد إصابات كورونا، ومن ثم إلغاء نفس الحكومة لنفس القرار قبل انتهاء مدة الإغلاق دونما أيضاً وجود إثبات علمي أو عملي معلن عن العلاقة السببية بين إعادة الفتح والإصابات.
3- إحالة خصوم الحكومة السياسيين للنيابة العامة بشكل انتقائي بسبب ندوة الداهوم التي انعقدت بالتنسيق مع وزير الداخلية، حيث ادّعت بها جهة الإحالة “الداخلية” بتوجيه طبعاً من رئيس الوزراء، مخالفة “خصوم الحكومة السياسيين” لقرارات الإجراءات الوقائية، واتضح بذلك للجميع في الداخل والخارج مدى انتقائية الإحالة التي تجعلنا نعتقد بشكل مرجح أن دوافعها تصفية خصوم الحكومة السياسيين والبرلمانيين.
4- أحالت الحكومة التي لم تقسم أمام البرلمان حتى الآن عدد (38 عضو برلمان) للنيابة بتهمة مخالفتهم الإجراءات الوقائية أيضاً، ولكن هذه المرة عن حادثة تمت قبل 3 شهور.
وجدير بالذكر أن هذه “الحادثة” التي تم احالة النواب بموجبها، تمت في عهد الحكومة التي استقالت قبل عدة شهور نتيجة إعلان ذات (النواب الـ 38) المُحالين للنيابة قرار “عدم التعاون” مع رئيس الحكومة المستقيلة، الذي هو ذاته رئيس الحكومة الحالية التي لم تؤدي قسمها أمام البرلمان، مما يجعل من الإحالة الانتقائية “تصفية صريحة” لخصوم رئيس الحكومة البرلمانيين الذين أعلنوا عدم تعاونهم معه وتسببوا باستقالته السابقة.
ولذلك بناءً على ما سبق ذكره، بات واضحاً أن رئيس الوزراء خلال ثلاثة شهور الماضية، مارس عدة مناورات أساء من خلالها استخدام السلطة، مما يجعل من استمرار التفاوض مع نفس الرئيس المسيء لاستخدام السلطة، أمراً غير أخلاقي، ولا يجوز لأي نائب يمثل الأمة ويدّعي أنه يدافع عن حقوقها، أن يقبل وضع ثقة الناس به على طاولة المفاوضات مع من أساء استخدام سلطته وأضر بالناس وبمصالحهم فقط من أجل تمرير مناوراته السياسية التي تضمن له استمراره وبقاءه على كرسي المسؤولية لأطول فترة ممكنة.
وأخيراً:
نقولها بكل صراحة: ندعم كل إجراءات الاحتجاج الرسمية سواءً من خلال التواصل المباشر أو غير المباشر مع القيادة السياسية لإقناعها بسحب الثقة من رئيس الوزراء الحالي، وحل البرلمان الذي تم خطف معظم مناصبه من الإرادة الشعبية العامة بسبب المناورات غير الأخلاقية التي مارسها رئيس الوزراء، كما ندعم ونحث النواب على التصعيد البرلماني ضد رئيسي السلطتين ليترتب على ذلك عزلهما بالطرق الدستورية المتمثلة بعدم التعاون مع رئيس الوزراء فتتم إقالته أو استقالته، وبنفس الوقت يستمر التصعيد البرلماني/ الرقابي ليترتب على ذلك بشكل ضروري حل البرلمان بالتالي إلغاء كل المناصب التي استحوذت عليها الأقلية البرلمانية المنتخبة بدعم من الحكومة غير الحصيفة.
“كما نؤكد رفضنا الصريح والقاطع لكل إجراء احتجاجي يتم خارج إطار مؤسسات الدولة” بمعنى: نرفض ” أي دعوة لنزول الشارع أو ساحة الإرادة”، كما نرفض قطعاً كل أشكال “التدويل”.
وأُصِر على أن قواعد اللعبة الدستورية والبرلمانية المتاحة اليوم تضمن لنا حلاً موضوعياً وعملياً دون الحاجة لهذه الدعاوي المضرة بأمن الكويت الوطني.
••
عبد الله خالد الغانم – كاتب ومحلل سياسي
Twitter: @akalghanim11