خفرات القلب

الكلمة التي ينطقها الإنسان قد تشعل حرب، تقرب قلب، تهدم مجتمع، هي سلاح ذو حدين، قالوا عن اللسان: “لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك”، وابن الجوزي يقول: “رب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان”.
ويروى أن ملكاً من ملوك حِمير خرج للصيد، ومعه صاحب في رحلاته وأسفاره فيقربه منه ويكرمه، فمرا أثناء رحلتهما بجانب صخرة ملساء ووقف عليها فقال: “لو أن الإنسان ذبح على هذه الصخرة فإلى أي مكان سيصل دمه؟” فقال الملك: “اذبحوه عليها ليرى دمه أين يبلغ؟” فذبح عليها فقال الملك: “رب كلمة تقول لصاحبها دعني”، فصارت تلك الجملة مضرب مثل.
وقيل زلة القدم ولا زلة اللسان، زلة القدم توجع الشخص وبالإمكان التعافي وزوال الألم مع مرور الوقت، أما زلة اللسان أثرها أبعد وأكبر تأثير على قائلها ومن تلقاها، فكم من زلة أنهت صاحبها مهما علا شأنه ومكانته، فما ينطق به اللسان بغير وعي أصدق مما تنطق به وأنت واعي، فزلة اللسان توضح المشاعر والرغبات المكبوتة في العقل الباطن، وأشهر علماء النفس سيغموند فرويد الذي تحدث عن زلات اللسان وسميت بعد ذلك بالإنزلاق الفرويدي الذي تحدث بأن الكلمة لا تحدث بشكل عرضي؛ بل تعكس رغبات حقيقية وأمنيات مدفونة بالعقل الباطن.
زلة لسان كادت أن تحول الحرب الباردة إلى حرب ساخنة في عام 1984 وعندها كانت الحرب الباردة مشتعلة بين روسيا وأميركا، ذهب الرئيس ”رونالد ريغان” لإلقاء خطابه الأسبوعي للإذاعة الوطنية العامة، فطلب منه مهندس الصوت التحدث لاختبار الصوت فقال ساخراً دون أن يعلم بأن التسجيل قد بدأ: «أعزائي المواطنين يسعدني أن أعلن لكم أنني وقعت للتو مرسوماً يقضي بمحو الاتحاد السوفيتي من الخارطة وإلى الأبد، وسنبدأ القصف في غضون خمس دقائق»، انتشر هذا البث سريعاً وأطلقت تصريحات سببت ضجة في كل من الولايات المتحدة والخارج، خوفاً من الحرب العالمية الثالثة.
وروسيا جهزت أسلحتها ووجهتها اتجاه الولايات المتحدة بمجرد سماع هذا التهديد، أما الصحافة الباريسية الرائدة كتبت أن مزاح ريغان تم اختباره من قبل نفسيين مختصين وقد وجدوا أنه يدل على نوع من الرغبة المكبوتة، ومن الجدير بالذكر أن رونالد ريغان تقرب من الاتحادالسوفيتي من خلال بناء علاقات جيدة مع الرئيس ميخائيل غورباتشوف ووقع معه معاهدة 1987م للأسلحة النووية متوسطة المدى، والتي وضعت حداً للأسلحة النووية متوسطة المدى.
فالكلمة محسوبة على الفرد وتزداد تأثيرها عندما تخرج من مسؤول فتكون مادة دسمة للإعلام والمحللين والتفسيرات والتحليلات، وقيل أربعة يجب ضبطها (اللسان، الأعصاب، النفس، الشعور)، ونختم به عن الإمام علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه: (خفرات القلب تفضحها اللسان).
••
عبد العزيز الدويسان – كاتب في صحيفة الإرادة
Twitter: @aziz_alduwaisan