التعليم عن بعد

بمجرد أن يخوض الطالب مشوار التعليم، لم تفارقه الورقة والقلم، عام بعد عام اعتاد عليهما الطالب، ولم يكن على دراية كافية بما يسمى بالتعليم عن بعد.
الآن وبعد انتشار فيروس كورونا انقلبت الأمور رأساً على عقب بشكل سريع، وعلقت الدراسة بكافة مراحلها، فأصبح التعليم عن بعد الذي يعتمد على التقنيات الحديثة والتواصل غير المباشر بين الطالب والمعلم هو أساس استمرارية التعليم، لذلك واجه طلابنا الكثير من الصعوبات في التكيف مع نوعية هذا التعليم أهمها صعوبة التطبيق العملي لأجزاء المناهج، وعدم جاهزية المعلمين لفكرة التعليم عن بعد بحسب ما كشفته “مراكز الأبحاث الدولية “.
فلم يكن لوزارة التربية والتعليم خيار آخر سوى فرض التعليم عن بعد في جميع مراحله وقطاعاته الحكومية والخاصة كالكثير من دول العالم ويعد كإجراء احترازي اتجاه هذا الفيروس غير المعروف وطريقة التعامل معاه أنذاك.
إن نظام التعليم شهد تحولاً كبيراً بسبب اعتماد معظم الدول نظام التعليم عن بعد، وهناك الكثير من التحديات التي يواجهها جميع أطراف العملية التعليمية في هذه التجربة، حيث يتعامل المعلمون مع نمط تعليمي جديد له مشاكله وتحدياته، كما يتحمل الطلاب مسؤوليات جديدة ربما أكبر من أعمارهم، وكذلك الأهل بطبيعة الحال عانوا ولا زالوا يعانون من مشكلات كثيرة مع هذا النظام.
التعليم عن بعد له إيجابيات لا أستطيع نكرانها في رفع المستويات الثقافية والعلمية والاجتماعية، ويسد النقص الكبير في الهيئات التدريسية والأيدي المدربة المؤهلة في مختلف المجالات ويخفف من ضعف الإمكانيات التي تعاني منها بعض المدراس والجامعات.
وباعتقادي أيضاً أن سلبياته تفوق إيجابياته وكارثية لا يمكن تجاهلها، فانعدام البيئة الدراسية التفاعلية والجاذبة تؤدي إلى عدم استجابة الطلبة لمثل هذا النظام، بالإضافة إلى اقتصار المادة التعليمية على الجزء النظري من المناهج في أغلب الأحيان، واختصار التجارب الحية أو استبعادها وما تحققه من فائدة للطالب.
إضافةً إلى التهاء بعض الطلبة بمواقع التواصل الاجتماعي والتسلية أثناء الجلوس أمام الشاشة والانشغال عن التعلم والشعور بالعزلة الدراسية بسبب غياب المناقشات الجماعية والحوار بين المعلم والطالب.
باختصار إن التعليم عن بعد بدون ضوابط وأفكار مستنيرة تجعل من الطلاب مجرد آلات تلقين لاعقل يفكر ولا قلب يبدع، وكل ذلك رسخ وأصل بهم قيم كالغش والخمول، حتى أصبحت ركيزة أساسية عند الكثير من الطلبة للأسف، والكارثة الأكبر والأمر أنها أصبحت أيضاً بمساعدة بعض الأهل لأبنائهم من أجل الحصول على علامات النجاح.
فصار التعليم مجرد أبحاثاً تكتب وتقدم لكي يجتاز الطالب مرحلته الدراسية، والأدهى أيضاً أننا بذلك لا ننشئ جيلاً يعتمد عليه خاصة في مرحلة التعليم الأساسية “الابتدائية والمتوسطة” والملاحظ أن معظم الوقت الذي يقضيه الطالب بلا هدف وبلا اهتمام بالمواد ومحتواها؛ لأنه قد قدم أبحاثه واجتاز اختباراتها الروتينية المغلفة بالفشل.
ولكي لا نكون ممن يتحدث عن السلبيات دون وضع حلولاً لها، فهذا مقترح موجه لمتخذي القرار في وزارة التربية والتعليم، لماذا لا نستغل هذه الأوقات في مد طلبتنا بمواد تثقيفية جديدة حتى لو كانت مؤقتة كمواد تختص بالتنمية الذاتية وتطوير الشخصية وصقلها وطرق التعامل مع الآخرين إضافةً إلى إطلاع طلبتنا على آخر ما توصل له العلم في شتى مجالات علوم الحياة؟ حتى يخرج الطالب من هذه المرحلة بعقلية تستطيع أن ترسم ملامح مستقبلها، وخاصة أن لدينا الكثير من الأكاديميين والمتخصصين في هذا المجال.
في النهاية أسأل – جل علاه – أن يحفظ هذا البلد ومن يعيش عليه، ويحفظ ويبارك في شبابنا وبناتنا فهم قادة هذا البلد مستقبلاً.
••
ناصر بدر الغضوري – كاتب في صحيفة الإرادة
Twitter: @nassser007