نقد القضية
من بديهيات الوجود الإنساني على وجه المعمورة أن يكون متضمناً لقضيةٍ ما تجول في خاطر وكيان هذا الإنسان بغض النظر عن صحة هذه القضية أخلاقياً وإنسانياً أو حتى مدى خطأ هذه القضية ، وتأتي بعد ذلك كيفية الدفاع عن القضية التي يحملها بشتى الوسائل والإمكانات، ويرتبط دفاعه عنها ارتباطاً وثيقاً بتاريخها القريب والبعيد لأن تاريخها جزء لا يتجزأ من حمله لها أصلاً إن لم يكن هو السبب في حملها.
والحاصل أننا لا نعرف ماضي القضية، وحاضرها مبهمٌ متشابك، فمستقبلها بطبيعة الحال (مجهول) .. وبعيداً عن التفاؤل والمجاملة فهي لم تنجح ولن تنجح، وزد على ذلك وجود آفات القضية عندنا التي تُبعد قسورها عن لبّها وشيئاً فشيئاً يكون جوهرها في مكان آخر ولا نعلم كيف وصلت ؟ ومن أوصلها ؟ ..
وأول تلك الآفات : 1ـ اختزال القضية والدفاع عنها في أشخاصٍ محددين لا أن ندافع إلاّ باسمهم وبانتظارٍ من جلالتهم أن يتكلموا عنها ونوافق كلامهم بمجرد حديثهم عنها سواءً كانوا مصيبين أو مخطئين .. وبهذا نكون قد قدمنا استقالة العقل من الجسد بملئ إرادتنا (لا تتكلم عن القضية دع القضية تتكلم عن نفسها).. 2ـ أن نحدد أشخاص بعينهم ونعتبرهم هم العائق أمامنا وبرحيلهم وانتهائهم ستصفو جميع الشوائب.. ونصبح كما قيل:
دعَوْتُ على عمروٍ فمات فسرّني
وعاشرتُ أقواماً .. بكيتُ على عمرو
3ـ أن يكون هناك مصلحة شخصية غالبة على مصلحة القضية والشواهد كثيرة لا حصر لها ولن أخوض بها كثيراً 4ـ هذه الرابعة هي آفة الآفات في أي قضية وهي: عدم معرفة الناس لقصيتهم فماذا نريد؟ ومتى نريد؟ وأين نريد؟ وهنا لا أقصد الوسائل بل أقصد القضية نفسها فنحن نجهلها ولا نعلم ماهيّتها وقد نعلم بعضاً من خيوطها، فأنّى لنا أن ندافع عنها؟! .. أما زلنا نستمع لنفس الكلمات والحروف كل بشكل يومي تقريباً ولم نرَ ما نسمعه ولا نملّه .. كل هذا متعلق بمشاكلنا المجتمعية كأي مجتمع آخر.
كما قال الشهيد الأديب غسان كنفاني: “إذا كنّا مدافعين سيئين عن القضية فيجب تغيير المدافعين لا أن نغيّر القضية” ..
سعود علي الحربي ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @engels_kwt