قلم الإرادة

الحركات الإسلامية ..كالتي هدمت بيتها من بعد قوةٍ أنقاضاً

بسم الله الرحمن الرحيم  وبعد ،،

 

* يربو عمر الدولة الاسلامية عن 1290 عاماً،

شهدت هذه الفترة صعود وسقوط عدة دولة أبرزها

“الأموية – العباسية – العثمانية” والتي كانت

جميعها لا تخرج عن محيط التطبيق الاسلامي للدولة، كما شهد المجتمع الاسلامي الأوسع “الأمة” ازدهاراً معرفياً في شتى ميادين العلوم، فكان من الطبيعي أن يلازم هذين العاملين تعدداً وتنوعاً في عدد الاتجاهات الفكرية والمناهج الشرعية التي أثرت النظريات السياسية الاسلامية، فضخمت الكم المعرفي، والموروث الثقافي الذي تزدهر به حضارتنا اليوم.

 

* تعددت وتزايدت الطوائف والفرق على مر عصور الدولة الاسلامية، ففي الحين الذي كان خلافُ بعضهم فيه فقهي، كان فيه البعض الآخر منهجي، والبعض الأخير يصل به الخلاف للحد العقدي، وفي وسط هذا التنوع من الخلافات بين الفرق والطوائف سيجد المطَّـلع الكثير من التناقضات الفكرية بين الفرق والجماعات الاسلامية في شقها السياسي، إلا أن خلافاتهم غالباً ما يتم إبعادها وعدم إقحامها في عملية ازدهار وتقدم وتنمية الدولة، وذلك بحكم القرار الذي يمتلكه مركز الخلافة، والذي كان يحرص على جلب المصلحة ودرء المفسدة في الشؤون العامة، بعيداً عن تلك الخلافات.

 

* استمرت هذه العملية حتى سقوط الخلافة العثمانية، ووُلوج المحتل الأجنبي بدلاً عنها كمستعمر ومسيطر على مقدرات وأراضي الامة، فكان من المنطقي أن تنشط تلك الخمائر الفكرية والتي هي امتداد طبيعي لأفكار ونظريات الموروث الثقافي الاسلامي، لتشكل بدورها حركات مقاومة لطرد المستعمر من الاراضي المحتلة.

 

 

* لعبت هذه الحركات الاسلامية الدور المحوري في إخراج المستعمر وتحرير البلاد الاسلامية،

ولكنها ما لبثت بعد خروج المستعمر إلا وانصدمت بحجم التأثير، وبعمق الجرح الثقافي والسلطوي الذي خلَّـفه المستعمر في جسد المجتمع وفي قلب الدولة حتى بعد خروجه، فتمخضَ دافعٌ آخر يدفع بالحركات الاسلامية نحو الاستمرار في عملها الحركي، ويتلخص ذلك الدافع في تغيير الواقع الذي خلَّـفه المستعمر وتحويله إلى واقع آخر، لا يخرج عن مجموعة القواعد والأركان والثوابت الشرعية على غرار تلك التي تأصَّـلت في الصدر الاول من الاسلام.

 

* وكما كان حجم الخلاف والتناقض بين رؤى وأفكار الطوائف والفرق في عصور الدولة الاسلامية، كان من الطبيعي ايضاً أن يتكرر هذا الخلاف ولكن بقوالب أخرى وبظروف مختلفة، والتي كان من المفترض أن تحتم على الحركات ان تكون اكثر مسؤوليةً بدلاً من هذه العشوائية، بسبب غياب دولة الخلافة، وتردي الواقع السياسي.

 

* إلا أنه وفي وسط هذه الظروف الاستثنائية، أشهرت كل من الحركات الاسلامية “شوكتها الفكرية” وأخذت تَـغُـزُّ بها خصورَ بقيةِ إخوانها في الحركات الاسلامية، لتثبت أفضلية رؤيتها، وقوة حجتها، دون ان تطرح على نفسها سؤالاً مهماً وهو: حتى لو تفوقت حركتنا في حرب الشُّـوَكْ الفكرية وأثبتت حركتنا قوة حجتها، فمن هو الحكم والفاصل الذي يلزم الجميع بإتباع حجتنا ؟؟ وكيف سنخرج برؤيتنا من الواقع الشفهي إلى التغيير المادي المنشود ونحنُ نُـقْـصي باقي الحركات ونتعالى عليها ؟؟

أليست باقي الحركات من المفترض أن تكون هي الطاقة التي تعيننا في تغيير الواقع بعد ثبات صحة وقوة حجتنا ؟؟ إذاً لماذا الإقصاء وقطع العلاقات وكثرة الطعن بالآخر ؟؟ هل غاب استشعاركم بضرورة ومحورية دور الآخر في عملية التغيير بجانبكم ؟؟ أم أن الاستفراد والرأي الأحادي إجراء لا يمكنكم التخلي عنه لعدم جرؤتكم على مجابهة الواقع وتغييره، فتلوذون وتعكفون تحت مظلة ما تحسنون صنعه فقط وهو الجدال والمراء العقيم ؟؟

 

 

* الحركات الاسلامية بصراعها النظري والشفهي لعشرات السنين، لم تخرج بأية خطوة تغيير مادية نحو الهدف المنشود، وإن استمرارها بنفس النهج الذي ما زال يراوح بإعطاء نفس النتائج من التشرذم والتردي والتخلف، ليس إلا ضرباً من أضرب الخيال والوهم الذي يجب على الحركات أن تتخلص منه، وأن تلتفت إلى واقعها بشكل اكثر عمليةً من ذي قبل، حتى تحقق ولو خطوة واحدة نحو امام لعلها تشفع لها امام الله يوم القيامة ومن ثم امام جماهير الامة الذين طفقوا سخطاً وغضباً وازدراءً من الأداء الصبياني لقيادات الحركة الاسلامية في الوطن العربي. 

 

* إن أي جهد لا ينحو طريق توحيد الخطاب الإسلامي عن طريق إيجاد “حد أدنى من

الأولويات والآليات” المتفق عليها، وتحويلها إلى برنامج عمل جماعي، تشارك فيه قطاعات من جماهير الامة، ليتمخض إثرها تياراً شعبياً محافظاً ذو مطالب محددة وواضحة، فترفع شعارها الحركات الاسلامية وتخوضُ غمارها الجماهير المحافظة “وهم أغلبية ساحقة” حتى تتحقق الإصلاحات على ارض الواقع، لتكون هي الأرضية المشتركة والاصول الثابتة التي يجوز الخلافُ فيما عداها.

 

* وأظن بل قد أجزم بأنه إذا خرجت الجهود عن هذا المنحى الجماعي، فإنه لا مناص من تكرار نتائج الفشل التي ما زلنا نكررها حتى بدأ الطفل العربي المسلم، يستوعب أنها ليست إلا إجراءات خاوية ولا تتعدى حدود الإستهلاك المحلي.

 

* وفي الختام أنبه الحركات السياسية الاسلامية بأن النزاع والإقصاء في فترة ما قبل توحيد الخطاب، وإيجاد الحد الأدنى من الأرضية المشتركة “الأصول والأركان” وترجمتها ببرنامج عمل مشترك في عملية التغيير حتى يتم تحقيقها مادياً، قد يصل عملياً لحد الخيانة السياسية بحق البلاد والعباد، لأنه لا يخرج عن كونه اشتراك في شرذمة الامة وإهدار طاقاتها ومقدراتها في ما لا نفع له، وفي ما لا يُرجى منهُ لا وحدةٌ ولا تقدمٌ ولا إصلاح.

 

والله أسأل أن ينفع بهذا النقد الناصح .. إنه سميعٌ مجيب

 

عبد الله خالد الغانم ـ كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية

 

Twitter: @aalghanim11

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى