خبراء: تشريعات القوة القاهرة.. أولوية قصوى

كشفت أزمة «كورونا» وجود هوة واسعة في كثير من التشريعات التي لم تأخذ بعين الاعتبار أزمات طبيعية واقتصادية، رغم مرور كثير من المحن التي عايشناها سنوات وسنوات، ومع ذلك لم ننتبه ولم تتغيّر الآليات، ولا القوانين على مختلف الأصعدة، وبتنا نطالب ـــــ آنياً ـــــ بتشريعات القوة القاهرة لمعالجة التطورات السلبية الناجمة عن جائحة «كوفيد ـــــ 19»، التي طالت القطاع العقاري، لا سيما «التجاري» و«الاستثماري».
طالب الكثيرون بضرورة سن تشريعات سريعة لمعالجة قضية الإيجارات بشكل عام، والتي خيّمت على القطاع العقاري، وأدت إلى فوضى في السوق. ووسط هذه المطالب، تداولت الأوساط العقارية في الآونة الأخيرة عدداً من المحاور التي شكلت «حديث الساعة»؛ من أبرزها كيفية رسم خريطة الطريق للعقارات التجارية خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً عقب انتهاء شهر رمضان المبارك، مع احتمالية البدء بتخفيف الضوابط الحكومية المتعلّقة بمحاربة «كوفيد ـــــ 19»؛ وذلك للسير على خطى الدول الخليجية المجاورة بفتح عقارات المتاجر والمحال، بالإضافة إلى المجمّعات التجارية. وأجمع خبراء على أن الأسواق الاستهلاكية والمحال الصغيرة يجب أن تأتي على قائمة الأولويات. وتوقّعوا أن يواجه القطاع ركوداً اقتصادياً محتملاً، كما حصل عقب الأزمة المالية العالمية عام 2008، ومن ثم سيعاود الارتفاع في وقت وجيز.
وعن القرارات واللوائح التي أعلن عنها محافظ العاصمة أخيراً والمتعلّقة بالمباني المتهالكة والقديمة الكائنة في المحافظة، والتي تلزم ملاكها تجميلها أو هدمها، أكد الخبراء أن الخطوة إيجابية جدّاً، إلا أنه يلزمها الكثير من القوانين الإضافية لجعل العاصمة واجهة مشرفة للبلد. كما بيّن البعض ضرورة تشديد الرقابة على إعداد «العُزابية» القاطنين فيها، للحد من تجمّعهم في غرف ضيّقة، خاصة في ظل انتشار فيروس كورونا.
أما عن قرار تأجيل أقساط بنك الائتمان، فقد وصفه البعض بأنه سلاح ذو حدين، حيث ستنتج عن هذا القرار انعكاسات إيجابية وأخرى سلبية لن تكون في مصلحة السوق مستقبلاً.. القبس استطلعت وجهات نظر خبراء العقار وفي ما يلي التفاصيل:
افتتاح.. والتزام
بداية، قال الرئيس التنفيذي لشركة أعيان العقارية، عضو مجلس إدارة اتحاد العقاريين إبراهيم العوضي: بالنسبة إلى افتتاح العقارات التجارية فهذا الأمر يرتبط بالاشتراطات الصحية التي تقرها الجهات المعنية، وهذا طبعاً بدوره، مرهون بحالات التعافي، لافتاً إلى أن الأمر لن يرجع كما كان في السابق، على الأقل خلال المرحلة الأولى للافتتاح الذي سيشهده سوق العقارات التجارية، حيث سيكون هناك اشتراطات متعلّقة بالتباعد الاجتماعي والتزام بارتداء الكمام وتنفيذ التباعد بأعداد معيّنة للعاملين المتواجدين في المحال التجارية، وفق الضوابط المطلوبة، كذلك الأمر في ما يتعلّق بعدد الزوار في المجمّعات التجارية بافتتاح تدريجي للمتاجر، مع مراعاة آلية محددة وشروط خاصة، تحمي العاملين والمتسوّقين داخل هذه المجمعات.
وأضاف العوضي إن هناك عدداً من الأنشطة المهمة التي يجب أن تعود، والتي من شأنها تلبية احتياجات الأفراد، كمحال المواد الاستهلاكية والملابس والأحذية، حيث إن هذه المحال تقدم منتجات أساسية، في حين هناك أنشطة أخرى قد تحتاج وقتا طويلا لحين معاودة افتتاحها، وذلك من بعد انخفاض أعداد الحالات المصابة بالفيروس والسيطرة عليها. وهذه الأنشطة تشمل مقاهي الشيشة والألعاب والأنشطة الترفيهية والسينمات وغيرها.
وفي ما يتعلّق بالقرارات واللوائح التي أعلن عنها محافظ العاصمة أخيراً والمعنية بالمباني المتهالكة والقديمة، قال العوضي: إنها خطوة ممتازة جدّاً، حيث تعد العاصمة في جميع الدول بمنزلة الواجهة للبلد، وللأسف عندنا في الكويت هناك تناقضات بالمباني العقارية، حيث نجد الكثير من الأبراج والمباني الحديثة في العاصمة محاطة بمبانٍ قديمة ومتهالكة، بالإضافة إلى أن بعض هذه المباني تحتوي على أعداد كبيرة من العزاب، ما يجعله منظرا «بشعا»! وبالتالي، إذا أردنا تحقيق رؤية تحويل الكويت إلى مركز مالي واقتصادي عالمي، يجب أن تكون عاصمتها مثالا يحتذى. حقيقة، هذا القرار غير كافٍ، إلا أنه سيعمل على تحسين واجهة البلد، وهي العاصمة.
التشريعات.. أولاً
بدوره، دعا مصدر موثوق إلى أهمية تسريع وتيرة إقرار تشريعات القوة القاهرة التي ستُهدِّئ الأوضاع، ولو قليلاً في السوق، والتي تتعلّق بكل من العقار التجاري والاستثماري، والتي نشأت إشكالياتها منذ بداية الأزمة، ودعت بعض ملاك المجمعات والعقارات التجارية إلى تقديم إعفاءات أو تخفيضات للمستأجرين لمدد محددة، في حين ملاك «الاستثماري» أغلبهم لم يُبدوا أي تعاون، ما خلق نوعاً من الفوضى بالسوق، كما اشتكى كثير من أصحاب المشروعات الصغيرة من زيادة الأعباء المالية المترتبة عليهم، ومن أهمها الإيجارات المدفوعة، رغم الإغلاق طوال هذه المدة؛ إذ إن كثيرين من أصحاب العقارات رافضون تخفيض الأجرة أو الإعفاء منها.
ويضيف المصدر: يتطلب الأمر ـــــ قبل أن نُمنّي النفس بإعادة الافتتاح تدريجياً من دون أن نعلم بوجود خطة حكومية لهذا الأمر ـــــ تسريع إقرار التشريعات اللازمة، لما يتفاقم من مشاكل ناتجة عن الأزمة.
إعفاء أو تخفيض في المرحلة المقبلة
من جهته، قال الخبير العقاري سليمان الدليجان: بالنسبة إلى الوضع التجاري للمرحلة المقبلة، إذا قام الملاك بمنح إعفاء أو تخفيض إيجارات محال العقار التجاري لمدة شهرين لثلاثة أشهر فإن هذا الأمر سيساعد أصحاب المحال التجارية خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل التوقعات، ببدء افتتاح بعض الأنشطة في الأسبوع الأول من شهر يونيو المقبل، وهذا ما حدث في دول الخليج، حيث قاموا بإعطاء المستأجرين خصومات بنسبة %50 أو الإعفاء لشهري أبريل ومايو. حتى إن البعض قدموا خصومات بــ %80 ـــــ %90 في مجمعات كائنة في البحرين والسعودية، وبناء على ذلك تمت معاودة فتح الكثير من المحال التجارية في كلتا الدولتين، لمزاولة أعمالها منذ أسبوع تقريبا.
وأكد الدليجان أن التعاون بين الملاك في القطاع الخاص والمستأجرين، ساهم في تعزيز الأوضاع بشكل عام، وتقبّل الخسائر الناجمة عن الأزمة، مشيراً إلى أن هذا المشهد شهدناه قبلاً عقب الأزمة المالية عام 2008، حيث نتج عنها هبوط حاد في العقار التجاري، خصوصا في عقارات المكاتب، لأنه في ذلك الوقت لم تكن هناك محال تجزئة بالأعداد الموجودة حاليا، حيث هناك في حدود 10 آلاف رخصة للمطاعم والمقاهي في الوقت الحالي، وفقا لاحدث إحصائية نُشرت مؤخراً.
وبيّن الدليجان: في ما يخص دعوة محافظ العاصمة بشأن القرارات واللوائح المعنية بالمباني القديمة والمتهالكة، حقيقة أجدها خطوة جيدة، وأنا داعم لها. الا ان هناك قانوناً في «البلدية»، ينص على إلزام الملاك بالمحافظة على عمل صيانة لتلك المباني، وهو بحاجة الى تفعيل. الا انه في الوقت ذاته نحن في وضع يجب ان تتواجد فيه قوانين، تنصّ على أكثر من ذلك. كتحديد عدد المستأجرين العزابية فيها مع تفعيل الرقابة الصارمة عليها، وهي مسألة باتت غاية بالأهمية، خصوصا في ظل وجود مخاطر كبيرة في ما يتعلّق بالأعداد الكبيرة من العمالة، والتي تتشارك في غرف ضيقة، بالإضافة الى دراسة سبل إحياء قطاع العقار التجاري خلال الفترة المقبلة، لأنه من المتوقّع تعرّضه لركود اقتصادي مستقبلا، ولو لفترة بسيطة ومن ثم سيشهد انطلاقة، خصوصا محال التجزئة، وذلك بسبب ما يتمتع به السوق المحلي من قوة شرائية، خاصة في ظل ان %95 ـــــ %97 من رواتب المواطنين مضمونة من الحكومة، ولم تتأثّر، وبالتالي باتت لديهم سيولة، لم يتم استخدام سوى %25 منها خلال فترة الأزمة الحالية. لذلك، أتوقّع رجوعا قويا للقطاع التجاري خلال الفترة المقبلة.
ويرى الدليجان أن تأجيل اقساط قروض بنك الائتمان لا تكون له أي انعكاسات مباشرة على السوق والقطاع ككل، وقد يكون سلاحاً ذا حدّين؛ فالجانب الإيجابي سيكون من حيث تأجيل سداد الأقساط لأشخاص متعثّرين، علماً بأن قسط بنك الائتمان منخفض أساساً ومن دون فوائد، ما يجعل قدرة الأفراد على سداده أمراً سهلاً، إلا أن المساعدة قد تكمن من خلال تخفيف الضغوط على العملاء في حال كان هناك أقساط أخرى يجب سدادها لمصلحة بنوك أخرى.
أما الجانب السلبي، فهناك احتمال أن تتجمّع مبالغ هذه الأقساط لدى البعض، الأمر الذي سيدفعهم لصرفها على أمور استهلاكية وكماليات خاصة، في حال عودة الحركة الاقتصادية إلى السوق، وبالتالي لا أجدها ستنعكس بإيجابية على السوق مستقبلا.
الشقق الاستثمارية ستشهد انخفاضاً في الأسعار
قال مصدر عقاري مسؤول: «من المؤكد سيختلف الأمر بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، خصوصاً في حال البدء بالتدرّج بتخفيف الحظر وعودة النشاط الاقتصادي، وهذا مرتبط بوضع خريطة طريق تسمح بعودة تدريجية، كما فعل كثير من دول العالم لمواجهة الركود الاقتصادي والبداية بالأنشطة الأهم، ثم المهمة وذات المساحة الأصغر ثم الأكبر، وسوق العقار مرتبط بعودة النشاط للمكاتب الهندسية والمقاولات ومحال البناء، فعودة هذه الأنشطة تساعد على انتعاش السوق، وأيضاً عودة العمل الحكومي مثل «البلدية»، والتسجيل العقاري، والجهات المعنية والمرتبطة بسوق العقار تساعد على عودة الحياة الطبيعية وانتشال الاقتصاد والسوق من الركود والانكماش. والانعكاسات ستختلف من قطاع إلى آخر؛ فالقطاع العقاري السكني والمخازن سيكون أقل القطاعات تأثّراً، والقطاع التجاري والاستثماري والمشاريع الكبرى أكثر القطاعات تأثّراً، كما سيكون القطاع الترفيهي مثل الشاليهات حصة كبيرة من عدم الطلب، وتوقّعاتي بانخفاض الطلب والسعر في الاستثماري والشاليهات بنسبة كبيرة».