قلم الإرادة

بات من الضروري على التيارات السياسية الإسلامية.. إلغاء نفسها

عندما تتحول الوسيلة إلى غاية، والغاية إلى وسيلة، يتجلى جوهر الانحراف، فتكون المبادئ والشعارات “وسائل وصول”، بينما الوصول للمنصب غاية بحد ذاتها، بعد أن كان كلٌ منهما مكان الآخر.

وإذا أردنا أخذ التجربة السياسية للجماعات الإسلامية كمثال، سنجد في تجربتها اضطراباً سلوكياً نتج عنه فشلاً نتائجياً، حيث أنها عندما قررت خوض تجربتها النيابية، كان ضابطها الشرعي قاعدة “أقل الضررين” ومقصدها الجوهري هو “تقليل الشر وتكثير الخير وفقاً للمنظور الشرعي” ويوازيه “العمل على تهيئة المجتمع لتقبل أسلمة قوانين الدولة والبت بأسلمتها” لذا قفزت الجماعات بكوادرها إلى وسط تلاطمات العمل السياسي دون إعداد مسبق لماهية مشروعها السياسي القائم على أساس “فهم الواقع” وإنزال “مقاصد الشارع” كما لم تعتني بإعداد استراتيجية شاملة توضح معالم طريق الوصول لغايتهم المرجوة.

ولأن تياراً بلا رؤية ومشروع، كدولةٍ بلا دستورٍ وقوانين، سيطغى بها في النهاية من تقع بيده مقاليد السطوة، فيوظف تياره بما لَهُ فيه حظوة، بدل توقيف نفسه لما لتياره من رؤية، ومن رحم هذا الفراغ تولّدت “مصالح خاصة” واحتدم الاقتتال عليها بين ابناء التيار الواحد، فأغرقوا قواعدهم الاجتماعية في صراعهم وعملهم الحركي المضطرب، على حساب عملهم الفكري والدعوي الذي لولاه لما وجدت تياراتهم عمقاً اجتماعياً يتغذى منه مرشحوها انتخابياً.

ولأن تجربة المشاركة البرلمانية لم تحقق مقاصدها التي انطلقت من اجلها بعد مضي أربعة عقود، بل وعلى العكس من ذلك فقد تسببت باستنزاف قواعدهم الاجتماعية، وهو الذي يعتبر ضرراً أعظمُ من سرابِ “خير المشاركة”.

وهنا أدعو فقهاء وعلماء الجماعات الإسلامية إلى إعادة النظر في فتوى “خوض التجربة النيابية بشكل مباشر” لما في ذلك من ضررٍ قد وقع، ومقصدٍ لم يقع، دفعهُ أولى، وتركهُ بلوى، كما أحثهم إلى استعادة دورهم المرجعي الذي فقدوه بطبيعة الحال عندما رجحت كفة نجوم السياسة والعمل النيابي داخل جماعاتهم على حساب دورهم كفقهاء وعلماء شرعيين.

استناداً على ما سبق ذكره، بات من الضروري واقعياً على الجماعات الإسلامية بقيادة فقهائها وعلمائها أن تلغي كياناتها وأذرعها السياسية وتنأى بنفسها عن المشاركة المباشرة في العمل النيابي والانتخابي، وتستعيض عن استراتيجية المنافسة على السلطة، بإستراتيجية ارشاد المجتمع والسلطة وتعزيز ثقافتهما الإسلامية.

فإذا استعادت الجماعات الإسلامية نشاطها الدعوي، وتوسعت في الوسط الاجتماعي، واعتبرت باقي فصائل المجتمع “شريكاً اصلاحي” بدل اعتباره “هدفاً انتخابي” ، فسيرى المجتمع فيهم نموذجاً شرعياً صادقاً بسبب استعفاف عناصره عن متاع دنيوي مشوب بشبهاتٍ أخلاقية، عندها سيكون قولهم أوثق وعملهم انفع من لعب دور “الوصي” الذي اثبتت التجربة “عدم رشده سياسياً”.

وفي الختام لا يسعني إلا أن أوصي علماء وفقهاء الجماعات الإسلامية بضرورة الآتي:

إلغاء الكيانات والأذرع السياسية الإسلامية في جماعاتهم، والاستعاضة عنها بتكوين مؤسسات إفتائية شرعية سياسية، يشرف عليها فقهاء وعلماء جماعتهم بطريقة مؤسسية ومنهجية، علمية وواقعية، لتنتج لنا رؤى سياسية، وبرامج عمل إسلامية، ومشاريع واقتراحات بقوانين شرعية، يرجع لها المجتمع كناخب، ويتبناها المرشح كنائب، وتسترشد بها السلطة كموازن، على أن يتوازى مع هذه الاستراتيجية توسعاً في النشاط الدعوي من ناحية، والنشاط التعبوي الاجتماعي لتمتين الثقافة الإسلامية المجتمعية من ناحية أخرى.

••

عبد الله خالد الغانم – كاتب في صحيفة الإرادة

Twitter: @akalghanim11

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى