الشائعات

الشائعات المغرضة تكثر في وقت الأزمات والتي غالباً ما يكون مصدرها الجهات المناوئة والمستفيدة منها لغايات تحقيق أهدافها في العمق الاستراتيجي لدس السم بالدسم، والحذر واجب في هذا السياق. ومن المسلّمات المعروفة أن الإشاعة أكثر فتكاً ودماراً للفرد والمجتمع من الأسلحة أو الأوبئة لأنها ببساطة تخترق العقل لا الجسد، ولذلك فإن صدّق الناس كل ما يقال فإنهم في غفلة من أمرهم وساذجون وبعضهم سفهاء وغير قادرين على تمحيص الغث من السمين وربما غير قادرين على التثبّت أو بعضهم ليس رشيداً مصدقاً لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
والإشاعة أشد فتكاً من القتل حيث أنها وسيلة للفتنة والوقيعة بين بني البشر وهدر الدماء وإضاعة الحدود لقوله تعالى: (والفتنة أشدُّ من القتل)، وهي تعمل على شق الصف والعبث بالوحدة الوطنية، وتعمي الناس عن الحق والصراط المستقيم، وهي بالتالي أداة وبيئة خصبة للفاسدين والمفسدين وأصحاب القيل والقال، ولذلك فهي معول هدم لا بناء، وتجذّر الطاقة السلبية والإنهزامية وعدم الثقة بدلاً من الإنتاجية والطاقة الإيجابية.
وتساهم الإشاعة في الكثير من الآثار السلبية والمدمّرة على الفرد والمجتمع، ومن ذلك على سبيل الأمثلة لا الحصر: خلق حالة القلق والعبث بالصحة النفسية للأفراد والمواطنين، من خلال الحرب النفسية سواء الباردة أو الحامية وتحطيم المعنويات واستبدالها بالتواكل والتخاذل والسلبيات، وبالتالي تؤثّر على أمنهم المجتمعي، وإرباك وزعزعة الثقة بالمنتجين وخزّانات التفكير والعلماء والساسة والشيوخ والمشايخ وغيرهم، والمتأثرون من ذلك الصالحون والأبرياء والشرفاء والعظماء والشخصيات العامة، واستبدال روحية العطاء بالروح السلبية والقيم الكاذبة والمفبركة، وإضعاف الثقة بالنفس، وانهيار منظومة القيم والأخلاق وظهور السطحيين والضعفاء ليسيطروا على المجتمعات ويصبحوا مصدرا للمعلومة وأصحاب قرار، والتشهير وتشويه سمعة العلماء ودعاة الحق والمسؤولين الشرفاء والإتهام الجُزاف بالخيانة والتقصير وعزف الأوتار وأمور أخرى.
والمهم هنا التطرّق للحلول الوقائية لمحاربة الإشاعة وكبح جماحها، والتي تأتي من خلال الفهم الدقيق لأسباب ومسببات الإشاعة، والتي أساسها الجهل وسوء استخدام وسائل التواصل الإجتماعي وفضولية البعض وخوضهم بما لا يعلمون، وبالطبع السبب في ذلك ضعف الوازع الديني وغياب الوعي الثقافي والأمني وحس المسؤولية وضعف دور الموجهين لرفع مستوى الوعي والحيطة، وتالياً تصوّر ورؤية لحماية أنفسنا ومجتمعنا ووطننا الغالي من آثار الإشاعة المدمرة من خلال: الأخذ بالأسباب والرد على المسببات والتحقق والتثبّت والتبيّن من صحة الأخبار وعدم تصديق الإشاعة والرجوع لأصحاب الرأي في هذا الشأن وإتباع منهج قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
ولعل تفعيل القوانين الصارمة لمحاسبة ومساءلة المتورطين والإعلان وعرض نماذج لذلك من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية والإلكترونية مهم جداً، كما هو مطلوب زيادة الوعي الأمني للمواطن ليكون رديفاً للأجهزة الأمنية، وإبلاغ الجهات الأمنية لغايات المتابعة وأخذ الاحتياطات اللازمة لكبح جماح الإشاعة وتصويب وتصحيح معلوماتها الخاطئة، وتفعيل دور الأسرة والوالدين والأساتذة وقادة الرأي ليقوموا بدورهم الطليعي والتوعوي والتنويري في ذلك، والتمسّك بأخلاقيات وقيم وتعاليم الدين قولاً وعملاً والإيمان بيوم الحساب وأن قذف الآخرين وإتهامهم جزافاً يولّد السيئات المتراكمة والمتسلسلة، فالتجاهل والمناصحة والتثبّت يمنعنا من ذلك أحياناً، وإضطلاع المثقفين وقادة الرأي بواجباتهم الوطنية والدينية والأخلاقية في نشر الوعي المجتمعي لتصويب مفاهيم مجتمعية خاطئة.
وفي الختام أن الإشاعة مدمّرة للفرد والمجتمع، ومطلوب تكاملية الجهد والعمل لكبح جماحها من خلال التشبيك بين كل الجهات الوطنية لوضع حد لها ولمروجيها وصانعيها ومادتها وحدثها وزمانها ومكانها وشخوصها ومروجيها وكل ما فيها.
و قول الشافعي رحمه الله
(قل للذي ملأ التشاؤم قلبه
ومضى يضيّق حولنا الافاقا
سرّ السعادة حسن ظنك بالذي
خلق الحياة وقسّم الارزاقا ..) يلخص كلما أريد قوله.
••
سامي بن أورنس الشعلان – كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @soalshalan
Email: [email protected]