قلم الإرادة

عندما يعي العقل اللا واعي!

اللا عقلانيون في راحة دائمة ومستمرة، طموحهم لا يتعدى “أين نقضي الليلة في أي مقهى وماذا سيكون العشاء؟” تجدهم في سعادة دائمة؛ لأنهم لا يشعرون بالواقع لهذه الحياة، هذه الحياة المليئة بالتحديات والمفاجآت الكثيرة، أما أولئك أصحاب العقول الكاملة، فتجدهم بؤساء؛ لأنهم يعلمون بأن هذه الحياة لا تبقى لأحد. أحدثكم عن الراحة الحقيقية، عندما سئل الإمام أحمد بن حنبل، قيل له: متى ترتاح؟ فقال: عندما أضع قدمي اليمنى في الجنة. لأنه يؤمن بأن هذه الحياة دنيّة، ليس لها قيمة حقيقية، فنحن بكل تأكيد ما خلقنا لنبقى؛ بل خلقنا لنرحل للبقاء، أولئك الذين يعي عقلهم اللا واعي في حيرة من أمرهم؛ لأن عقلهم يعي بأن هذه الحياة ليست لأحد، وأن تقلبات الدنيا مستمرة، فالدنيا التي تضحكك اليوم تبكيك غداً بكل تأكيد وإن كنت ملكاً، والعكس صحيح.

عندما يعي عقلك، سيتشكل لديك الشك؛ الشك الذي يؤدي لليقين كما يقول الغزالي، فالغزالي هو الذي قال: “علمني الشك اليقين”، ولأنك الشك مرتبط بالحدس، والحدس مرتبط بالعقل اللا واعي والذي بدوره يصبح واعياً متيقظاً. كل ما في الحكاية أن عقلك اللا واعي عندما يعي فقل وداعاً للسعادة الأبدية، بمجرد أن يعمل عقلك اللا واعي بوعي فأنت ستعرف قيمة الحياة الحقيقية، هذه الحياة التي يزهد بها كل متفكر وعاقل، فقد طلقها علي – رضي الله عنه – وغيره الكثير، وأما من اشتراها فقد خسر البيع، فأبو بكر الصديق – رضي الله عنه – يقول: “أطلب الموت توهب لك الحياة” ليقينه بحقيقة الحياة وزهده بفشخرتها!

هذا العقل اللا واعي الذي وعى أيقظ لنا الفلاسفة والأدباء والشعراء، أيقظ لنا “أفلاطون – أرسطو – فرناندو بيسوا – كافكا – لوركا” وغيرهم الكثير، هؤلاء الذي يعتبرهم البعض مجانين بينما هم بكامل قواهم العقلية، ذنبهم الوحيد أنهم اكتشفوا الحقيقة، الحقيقة التي أوصلتهم لذروة العقل القريب من الجنون، هذا كافكا العاقل الذي بكى ميلينا، بيسوا الذي اعتزل الجميع كتابةً بوحدته حتى مات بسبب كبده المتشمع، الإسباني لوركا الذي كان يتمتم بهذه الكلمات عند إعدامه: ” ما الإنسان دون حرية يا ماريانا؟ قولي لي كيف أستطيع أن أحبك إن لم أكن حراً، كيف أهبك قلبي إن لم يكن ملكي؟!” ثم واجه الرصاص حتى سقط.

راجع في تاريخنا العربي كذلك مجنون ليلى، كثير عزة، ليلى الأخيلية، ستجد كل أولئك العقلاء حقاً وصفوا بالتمرد والحماقة؛ لأنهم ليسوا كغيرهم، يعيشون لأجل العيش فقط. هم يريدون الحياة الكريمة، حياة المبدأ، فحياة بلا مبدأ موت أبدي، وموت بمبدأ حياة أبدية. الأبد أن يبقى تاريخك المبدئي وإن أنكره الجميع، سيعرفه التابعون من بعدك، فأهل المبادئ لا يموتون وإن قبضت أرواحهم. كل ما عليك أن تستعيد عقلك اللا واعي ليعي ويصحى. كن مجنوناً أو دعهم يقولون ذلك، يكفيك فخراً ذلك المبدأ، واثبت قبل أن تأخذك الرياح كما أخذت من لا نعرفهم ولن نعرفهم؛ لأنهم عاشوا بلا عقل إطلاقاً.

••
محمد العراده – رئيس التحرير

Twitter: @malaradah

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى