امتلك الطمأنينة

حاولت أن أرشو تفكيري ببعض الشرود الصامت لعله يسمح بقطع من النعاس أن تخطف ذاتي وتهوي بي في وادي النوم العميق ولكن دون جدوى، وكالعادة هرعت إلى منفاي الوحيد الذي يحتويني عندما تعتريني هذه الحالة ألا وهو عالم الكتابة، امتطي صهوة قلمي وانطلق به على وجه أوراقي المجدبة، من هنا قررت أن أكتب عن “ال ح ز ن” نعم الحزن الذي يسكن طيات كل قلب من قلوب البشر وكأنه ضيف لا يكاد أن يغادر قلب أي إنسان، حتى يعود من جديد بعد فتره تطول أو تقصر، هي كذلك الحياة، ولكن هل نستسلم له؟ يا أيها الحزن المسافر في دمي
دعني فقلبي لن يكون أسيرك؛ إذن أين الملاذ من هذا الحزن وكيف نكون بعيدين كل البعد عن متناول مخالب هذا الحزن؟
لا شك سوف نمتلك الإجابة عن هذا السؤال عندما نفهم الحياة بطريقة صحيحة، دعونا نرحل مع قصة من الأدب الصيني ذكرت في بعض الكتب، يقال أن هناك امرأة فقدت ولدها الوحيد وهو في مكتمل شبابه وأخذها الحزن الشديد كل مأخذ، فذهبت إلى حكيم القرية وقالت له أريد أن يرجع ولدي حياً كما كان أرجوك ساعدني، صمت الحكيم برهة وهو مذهول من طلب هذه السيدة الكبيرة، وقال لها: نعم سوف ألبي لك طلبك بشرط، قالت: ما هو الشرط تكلم هيا أرجوك! قال: طلب بسيط اذهبي واحضري لي حبة خردل من بيت لم يدخله الحزن قط.
خرجت المرأة وهي كلها أمل في تلبية هذا الطلب البسيط
طرقت باب أول بيت وخرجت لها صاحبة البيت وسألتها هل هذا المنزل لم يدخله الحزن قط؟ تبسمت صاحبة البيت في مرارة وقالت زوجي توفي قبل سنة وترك لي أربعة أبناء ولأجل إطعام أبنائي قمت في بيع أغلب أثاث المنزل لأجل إطعامهم، تأثرت السيدة جداً وحاولت أن تخفف عنها، ثم انطلقت من جديد تبحث عن هدفها الذي تسعى له، ووجدت بيت آخر وكما بالمرة السابقة طرقت الباب وسألت نفس السؤال، فأجابتها صاحبة الدار أن زوجها مريض جداً وأولادها يتضورون جوعاً ولا يوجد أي طعام بالمنزل، ذهبت هذه السيدة واشترت أنواع الطعام بكل ما معها وأحضرته لهذا البيت فأفرحت الأم والأطفال بهذا الطعام وغادرت وهي سعيدة في موقفها هذا مع هذه العائلة الفقيرة، ذهبت إلى منزلها، وباليوم التالي، انطلقت من جديد لعلها تحقق هدفها الذي طلبه منها الحكيم، وطفقت تهرع من بيت إلى بيت ولم تجد حبة الخردل من ذلك البيت الذي لم يدخله الحزن مطلقاً، وبمرور الأيام أصبحت السيدة صديقه لكل بيت بالقرية نسيت تماماً إنها تبحث بالأصل عن حبة الخردل من بيت لم يعرف الحزن مطلقاً ذابت في مشاكل ومشاعر الآخرين ولم تدرك قط أن حكيم القرية منحها أفضل وصفه للقضاء على الحزن:
جهلت عيون الناس ما بداخلي
.. فوجدت ربي بالفؤاد بصيرا
مهما عظم خطبك فاعلم أن هناك من هو بالبلاء أشد منك
مساعدة الناس وزرع فيهم السعادة يجعل ذلك ينعكس على ذاتك وعلى كل حياتك، متى ما أدخلت الفرح في قلوب الآخرين ثق أنه لن يغادر قلبك، البعض يعتقد أن السعادة مقترنة اقتران دائم بالمال، وهذا غير صحيح إطلاقاً.
صديق لي يتحدث مع رجل ثري جداً جداً يقول له: أتمنى أن أكون في مثل ثرائك قال له الثري فوراً خذ ثرائي وأعطني صحتك.
لو نعرّف السعادة نقول؛ إنها ذلك الشعور الداخلي بالبهجة والسرور بحيث ينعكس على الحالة النفسية والمزاجية للشخص مما يجعله ينظر بشكل إيجابي للحياة وللأشياء؛ أي أنه عبارة عن ذلك الإحساس الذي يعتبر مضاداً للحزن والكآبة، وبعيداً كل البعد عن التشاؤم والمشاعر والطاقات السلبية، ما الفرق بين الطمأنينة والسعادة، الطمأنينة أعم من السعادة، وهي استقرار الذات والسلام الداخلي
وتتعلق الطمأنينة تعلق أدق في قناعات الإنسان، وهي يقين داخلي يجعل نبضات القلب تسكن وتستقر ولا يكون إلا في يقين أدق بالتعلق بالله وذكره، أستطيع أن أرشدك إلى عدة أمور تجعل السعاده والطمأنينة من أملاك قلبك إن أردت، ألا وهي:
أولاً: المحافظة على الصلاة في وقتها والاستعداد لصلاة قبلها لأن الاستعداد للصلاة والحضور مبكراً للمسجد هو مفتاح الخشوع.
ثانياً: تدبر آيات الله بقلب خاشع.
ثالثاً: الإحسان للناس والمحتاجين بصورة أخص.
أخيراً: دع الحزن وارسم حياتك بقلم طموحك وإصرارك.
دمتم بود.
••
فريح محمد الرويلي – كاتب في صحيفة الإرادة
Twitter: @foraihalrowaily