قلم الإرادة

لا تقطع إذنك!

نعيش في زمن اختلطت فيه الأحوال والشبهات والشهوات، يتفنن أصحابها في رسمها وزخرفتها، مقاييس الصح والخطأ تبدلت وتغيرت وأضحت الآن وجهات نظر! ولا يصبح الخطأ على وجه حق بسبب انتشاره وتوسعه، ولا تصبح الحقيقة خطأ لأن لا أحد يراها، والأمر الخطأ استمراره مع مرور الوقت يصبح أمر عادي ويعتاد عليه الناس، والمفاهيم والسلوكيات الخاطئة والخارج عن المألوف قد يكون استنكار في البداية ثم تنتشر وتستفحل ثم تكون أمراً عادياً، الكثرة والانتشار ليس دليل على الصواب ولا يستدل على الحق بكثرة العدد، والقلة لا يعني الضياع عن جادة الحق، فالعدد لا قيمة له في عالم المبادئ والقيم، والقرآن الكريم يصف أحوال أكثر الناس قوله عز وجل: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (الأعراف:187)، وقوله تعالى: {ولكن أكثر الناس لا يشكرون} (البقرة:243)، وقوله عز من قائل: {فأبى أكثر الناس إلا كفورا} (الفرقان:50)، وقوله سبحانه: {قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون} (العنكبوت:63)، وقد تتكرر هذه الأوصاف قليلاً أو كثيراً بحسب مقتضيات الموضوع، وبالمقابل فقد وردت بعض الآيات تمتدح القلة من الناس، من ذلك قوله تعالى في سياق الحديث عن تسخير الريح والجن للنبي سليمان عليه السلام: {وقليل من عبادي الشكور} (سبأ:13).!

يُحكى أن أحد الملوك تأخرت زوجته في إنجاب ولي العهد، فأرسل في إثر الأطباء من كل أرجاء المملكة وشاء الله أن يُجري شفاء الملكة على أيديهم فحملت الملكة بولي العهد وطار الملك بذلك فرحاً وأخذ يعد الأيام لمقدم الأمير وعندما وضعت الملكة وليدها كانت دهشة الجميع كبيرة، فقد كان المولود بأذن واحدة! انزعج الملك لهذا وخشي أن يصبح لدى الأمير الصغير عقدة نفسية تحول بينه وبين كرسي الحكم، فجمع وزراءه ومستشاريه وعرض عليهم الأمر، فقام أحد المستشارين وقال له: الأمر بسيط أيها الملك؛ إقطع أذن كل المواليد الجدد وبذلك يتشابهون مع الأمير، عجب الملك بالفكرة وصارت عادة تلك البلاد أنه كلما ولد مولود قطعوا له أذنا وما إن مضت عشرات السنين حتى غدا المجتمع كله بأذن واحدة.

وحدث أن شاباً حضر إلى المملكة وكان له أذنان كما هو في أصل خلقة البشر فاستغرب سكان المملكة من هذه الظاهرة الغريبة وجعلوه محط سخرية وكانوا لا ينادونه إلا (ذا الأذنين) حتى ضاق بهم ذرعاً وقرر أن يقطع أذنه ليصير واحداً منهم هل يمكن لمجتمع ما أن يكون معاقاً بالكامل؟؟؟ فمجتمع إبراهيم كان معاقاً بالشرك، وكان إبراهيم بينهم غريباً لأنه لم يكن يمارس إعاقتهم،
ومجتمع شعيب  في تطفيف الكيل، وكان شعيب بينهم غريبا لأنه لم يكن يمارس إعاقتهم.

(إجماع الناس على شيء لا يُحله والخطأ يبقى خطأ ولو فعله كل الناس، والصواب يبقى صواباً ولو لم يفعله أحد)، وركوب الناس في موجة وتيار واحد لا يعني توافقه في كل شيء وليكون عندك الإدراك والعقل والرأي بالأمر (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا).

••

عبد العزيز الدويسان – كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية

Twitter: @aziz_alduwaisan

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى