الإنجاز ليس له عمر

الأرقام والأعمار، الإنجاز والعطاء والطموح لا يتوقف ولا يحدد بسن معين، فمراحل نمو الإنسان من المهد فمرحلة الطفولة المبكرة ثم المتأخرة والمراهقة، ومرحلة الرشد فالشيخوخة، وكل مرحلة لها متغيراتها وظروفها من النشاط البدني والقوة الجسمانية، وعملية النضج تختلف من شخص لآخر حسب البيئة أو الشخصية  ومواقف وتجارب الحياة التي تصقل الإنسان، فالتاريخ خير شاهد على الإنجازات والأعمال لم ترتبط بعمر معين  فيقدم الدروس والعبر لمن يريد الاستفادة، ونعيش أيضاً في واقعنا قصص ملهمة، لا تضيق على نفسك بالعمر بأنني صغير السن أو كبير ووصلت لسن التقاعد، الإنجاز والأمل والعمل يجعل الأرقام متساوية.

السلطان محمد الفاتح الذي تولى حكم الدولة العثمانية في سن 22 من أعظم وأشهر السلاطين العثمانية بالهمة والعزيمة والقوة والعلم الذي كان يتلقاه في مدرسة الأمراء وخاصة معرفته لكثير من لغات عصره وميله الشديد لدراسة التاريخ، مما ساعده فيما بعد على إبراز شخصيته في الإدارة وميادين القتال حتى أنه اشتهر في التاريخ بلقب “محمد الفاتح” لفتحه القسطنطينية.

سعد بن أبي وقاص 17 ﺳﻨﺔ، حيث كلف سعد بمهام جسام في تاريخ الدعوة الإسلامية، ففي هذه السن الصغيرة كان أول من رمي سهمافي الإسلام، وكان من العشرة المبشرين بالجنة، الصحابي الجليل زيد بن ثابت حفظ القرآن وكاتب الوحي وتعلم السيريانية وعمره لم يتجاوز 13 عاماً.

عبد الرحمن الناصر لدين الله تولى حكم الاندلس في سن 23 عاماً، وتميز عهده بالنهضة العمرانية ويعتبر عصره من العصور الذهبية للأندلس واشتهرت قرطبة وجامعتها الشهيرة في زمانه بمنارة العلم والعلماء، وبدت على محمد بن القاسم الثقفي الشجاعة وحسن التدبير في الحرب منذ نعومة أظفاره؛ مما جعل الحجاج بن يوسف الثقفي يعينه أميراً على السند وهو لم يتجاوز 17 عاماً، وكان محمد بن القاسم راجح الميزان في التفكير والتدبير، وفي العدل والكرم، إذا قورن بكثير من الأبطال، وهم لا يكادون يبلغون مداه في الفروسية والبطولة، ولقد شهد له بذلك الأصدقاء والأعداء، وقد سحر الهنود بعدالته وسماحته.

“جون جودينوف” عندما بلغ 65 سنة ترك الجامعة بجامعة أكسفورد لوصوله لسن التقاعد، وهاجر إلى أميركا للعمل بجامعة تكساس التي لا تلزم العلماء بسن للتقاعد، وصل لعمر 97 سنة، وقبل أيام قليلة  شهد الإعلان عن جائزة نوبل للكيمياء لتطويره بطاريات الليثيوم وحطم “جون جودينوف” للرقم المسجل باسم العالِم الأميركي آرثر أشكِن، الذي فاز بجائزة نوبل للفيزياء لعام 2018 في عمر ناهز الـ 96 عاماً.

فالإنجاز ليس له عمر .. ليس له تاريخ .. ليس له وقت.

••