الكراهية والإرهاب

الإرهاب أعمى وهذه إحدى الحقائق التي أخذت تتضح يوماً بعد آخر ضمن العديد من القناعات الدالة على أن هذا الوباء ليس له دين ولا وطن.
إن الدعوة الربانية الخالدة هي التي تمثل روح الإسلام الحقيقي ولا تمثله الشعارات الزائفة التي يطلقها الخارجون عليه وعلى المسلمين من كهوف الظلام ليتلقفها أعداء الإسلام ويصنعوا منها صورة مشوهة أبعد ما تكون عنه.
لقد شُخص المرض على أنه يكمن في تلك الشعارات المزيفة، وذلك الفهم القاصر للإسلام الذي ينسى روح التسامح والألفة التي كانت هي المشعل الذي أنار أرجاء المعمورة… أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك هذا هو المعنى الخالد للدين القويم… أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وهذه هي معالم الدعوة الإسلامية وليس التفجير والتكفير والتفخيخ تحت ادعاءات أقل ما يقال عنها أنها قاصرة وجاهلة.
ولعل هذا هو سر انقياد صغار السن لمثل هذه الشعارات وابتعاد العقلاء المدركين عنها. فنجد أن سكان الكهوف يشملون بظلاميتهم صغار السن، مستغلين العديد من المغالطات الدينية والسياسية لإقناع أولئك الأطفال على تفخيخ أنفسهم وإحالة أعضائهم إلى قذائف يتضرر منها الأخ والأب والأم. وهذا أكبر دليل على بعدهم عن قيمنا الإسلامية والاجتماعية.
إن مستنقعات الفساد والإفساد والإرهاب والترهيب متشابهة حيث ومن الضروري الإشارة إلى أن شبكة الإرهاب لا ترتبط بدين أو عرق بحد ذاته أن وضع البيض الفاسد في سلة واحدة تكون منطلقاته التدميرية واحدة.
فتلك الشبكات الإرهابية عندما يتم تطعيمها بأفكار عقائدية قاصرة إسلامية كانت أم مسيحية أو أي ديانة كانت على وجه هذه الأرض يتم إسقاطها على رغبات وأطماع وأحلام واهية وخادعة فإن النتيجة الطبيعية عبارة عن إنسان مشوش العقيدة مرتبك الفكر مسلوب الإرادة، ليتحول إلى أداة طيعة في أيدي أسياد التدمير والتخريب.
أن خير قاهر للإرهاب هو الوعي والإدراك. وهذا ليس مطلوباً من دولة بعينها، كون الإرهاب ليس له دين وعرق ولا جنسية، لذا فيتحتم على المجتمع الدولي أن يتهيأ للقيام بمسئولياته كاملة تجاه هذا الوباء العالمي الذي لايقل خطورة عن الأوبئة الأخرى، بل قد يكون داء الإرهاب هو أخطر ما تعرض له العقل الإنساني في سبيل شله والقضاء على مكتسباته الحضارية والإنسانية، وإحالته إلى قنبلة غبية يتم تفجيرها خارج عقله وبمعزل عن إرادته.
لا يوجد مفهوم واضح لخطاب الكراهية، إذ يأخذ توصيفات عدة يمكن أن نجملها في العنف اللفظي المُتضمَّن في الخطاب الدوني، والكُره البيّن والتعصّب الفكري والتمييز العنصري والتجاوزات التعبيرية القدحية والنظرة الاستعلائية في الخطاب المصحوب بالإقصاء. وبالتالي يصبح الحديث عن خطاب الكراهية كظاهرة مجتمعية، بمثابة آفة انتشرت مع انتشار وسائل الإعلام والاتصال الاجتماعي بالخصوص.. وبالرجوع إلى القوانين المؤطرة لحرية الرأي والتعبير من خلال الترسانة القانونية دولياً، نجد أن خطاب الكراهية، وانطلاقاً من التوصيف الذي قدمناه، صار يتخذ عدة أشكال تتجاوز القوانين، وبالتالي تصبح تلك التجاوزات في نظر البعض أمراً عاديا في إطار حرية الرأي والتعبير. بينما الحقيقة تؤكد أنها كراهية مُعبَّرٌ عنها بشتى الأوصاف والتعابير التي قد تصل إلى التجريح والقدح.
من الواضح أن الانتشار الواسع لوسائل الإعلام والاتصال كفضاء مفتوح، صار ملاذا لممارسة شتى أشكال التمييز وإنتاج خطاب الكراهية، ما يستثمره الفاعل السياسي بالدرجة الأولى، وهو ما نلاحظه أيضا من خلال دراسة للمحتوى العربي والغربي على شبكة الإنترنت، سواء تعلق الأمر بصحافة المواطن أو التدوين القصير من داخل مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يلعب التشبيك دورا أساسياً في انتشار خطاب الكراهية بمختلف أنماط العنف، المادية منها والرمزية أو الخطابية اللفظية.
إن مقتل 49 رحمهم الله وإصابة أكثر من 48 ندعو لهم بالشفاء التام في هجوم على مسجدين في نيوزيلندا هو دليل قاطع على انتشار خطاب الكراهية بمختلف أنماط العنف.
**
سامي بن أورنس الشعلان – كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
Twitter: @soalshalan
Email: [email protected]