إقليمي وعالمي

زيارة عون إلى موسكو يمكن وضع خلفياتها وأهدافها في إطارين كبيرين

ليس في خطط الرئيس ميشال عون، زيارة الولايات المتحدة، فالعلاقة مع الرئيس دونالد ترامب، لم تبدأ بعد، وحتى اللقاء بينهما لم يحصل في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن بين الأسئلة التي طرحت بشأن زيارة ديڤيد ساترفيلد الى بيروت، سؤال يتعلق بالسبب الذي حال دون لقائه رئيس الجمهورية في قصر بعبدا.

وليس على أجندة الرئيس عون في هذه المرحلة زيارة إيران التي جددت دعوتها الرسمية له وقبلها، على أن يلبيها في الوقت المناسب، وحاليا ليس هو الوقت المناسب ولا الظرف الإقليمي الملائم للقيام بهذه الزيارة. وعليه، فإن زيارة عون الى موسكو هذا الشهر تبدو من جهة بمثابة رد على الحظر الأميركي السياسي المفروض عليه، ومن جهة ثانية بمنزلة زيارة «بدل عن ضائع» هو الذهاب الى إيران. وتكتسب الزيارة أهمية استثنائية، ليس فقط لأنها تشكل المؤشر الى تعميق وتعزيز العلاقات الثنائية، والى خروج روسيا من حصرية «الإطار الحريري» للعلاقة مع لبنان الذي التزمته مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري واستكملته مع نجله الرئيس سعد الحريري، بل لأنها تؤشر الى دخول لبنان أكثر فأكثر في الفلك الروسي رغم ما يلقاه من دعم سياسي واقتصادي أوروبي، ومن دعم سياسي عسكري أميركي. لذلك، فإن هذه الزيارة ومجمل تطورات العلاقة بين لبنان وروسيا هي موضع رصد دقيق من الأميركيين والأوروبيين على حد سواء لمعرفة المدى الذي يمكن أن تصل إليه روسيا في اهتمامها الزائد وحضورها المتنامي على الساحة اللبنانية، والمدى الذي يمكن أن يصل إليه لبنان في اندفاعته الروسية، بعدما كان الأميركيون قاموا بردة فعل أولية توزعت في اتجاهين: الأول هو التشكيك الواسع بالمبادرة الروسية المتعلقة بعودة النازحين السوريين، والثاني هو الاعتراض على أي تسليح روسي للجيش اللبناني ووضع ڤيتو بالخط الأحمر العريض.

زيارة عون إلى موسكو يمكن وضع خلفياتها وأهدافها في إطارين كبيرين:

1 ـ العلاقات الثنائية بين لبنان وروسيا التي شهدت منذ سنة تقدما ملحوظا، لاسيما من جهة روسيا التي كانت مهملة للساحة اللبنانية ولا تعتبرها ذات قيمة وأهمية استراتيجية، وصارت تعتبرها مهمة وتتعاطى مع الملف اللبناني على أنه امتداد للملف السوري ومكمل له. فقد رفعت روسيا من وتيرة ومستوى تدخلها السياسي وكانت لها مساهمة في حل أزمة تشكيل الحكومة وفي تحريك العلاقات اللبنانية ـ السورية على أسس جديدة، كما قامت بعملية توسيع وتنويع لعلاقاتها السياسية مع مختلف القوى والأحزاب، واستقبلت قادتها (وليد جنبلاط ـ طلال ارسلان ـ جبران باسيل ـ سليمان فرنجية ـ سامي الجميل). والأهم من ذلك أن روسيا انخرطت في عملية التنقيب عن الغاز في بحر لبنان جنوبا (عبر شركة «نوفاتيك») وأبرمت عقودا مع الحكومة اللبنانية شمالا (شركة «روسنفت»)، وأعربت عن تطلعها الى تعزيز مستوى التبادلات والعلاقات التجارية والاستثمارات اللبنانية في روسيا، وزيادة الصادرات الروسية الى لبنان، وجعل لبنان وجهة سياحية في شرقي المتوسط، وتعزيز الثقافة واللغة الروسية في المجتمع اللبناني.

2 ـ المبادرة الروسية لعودة النازحين السوريين التي يعول عليها لبنان إطارا وغطاء لعملية إعادة النازحين الموجودين على أرضه، من دون انتظار الحل السياسي للأزمة السورية، خصوصا بعد انكشاف الفجوة بين الموقف اللبناني والموقف الدولي (الأميركي والأوروبي) في هذا الملف.

المبادرة الروسية تتمتع بقوة التوافق اللبناني عليها وبالتقاطع الحاصل بين أركان الحكم على توجه إيجابي في اتجاه موسكو وان من منطلقات مختلفة، وحيث يرى الرئيس عون في موسكو ضماناً للدور اللبناني و«المسيحي المشرقي»، ويرى الرئيس بري في موسكو حليفا استراتيجيا بحكم تحالفها مع المحور السوري ـ الإيراني، ويرى الرئيس الحريري في موسكو وسيطا ومساحة عازلة وواقية بينه وبين النظام السوري. ولكن المبادرة الروسية (التي تتضمن في شقها اللبناني تشكيل لجنتين لبنانية وروسية، ديبلوماسية ـ عسكرية، ومنح النظام ضمانات بعدم التعرض للنازحين وتسهيل عودتهم، وفتح معابر تتم من خلالها عملية العودة وضبطها، ونقل النازحين الى مناطق آمنة في سورية، ريثما يعاد إعمار المناطق)، تواجه رفضا أوروبيا وأميركيا. فالمجتمع الدولي يجنح أكثر فأكثر في توظيف ورقة النازحين في النزاع الذي لايزال قائما حول مستقبل سورية، وذلك من خلال تقديم مزيد من الحوافز للنازحين على البقاء في أماكن تواجدهم. وبالتالي، فإن الأوروبيين والأميركيين يحجمون عن رفد المبادرة الروسية بأي دعم سياسي ومالي، ويربطون إمكانية عودة النازحين بالحل السياسي وإعادة الإعمار، فيما روسيا عاجزة وحدها عن تمويل «مبادرتها»، وتبدو مضطرة الى «تجميدها»، خصوصا بعدما أضيف سبب جديد يدفع الى «التجميد» ويتعلق بالخلاف المستجد بين روسيا وكل من إيران وسورية حول دستور سورية الجديد ومستقبلها السياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى