الجزائر.. بين صمت انتخابي وضجيج شائعات
حي “باب الواد” الشعبي هو القلب النابض للعاصمة الجزائرية، فمن أعاليه تطل كنيسة السيدة الإفريقية الشهيرة، وعلى سفحه يتربع المسجد الكبير الذي كان إلى عهد قريب أكبر معبد يهودي في العاصمة.
وبين جدرانه وحاراته تاريخ طويل نقشته أنامل يونانية ومالطية وإسبانية وإيطالية مرت من هنا، وامتزجت بثقافات الأمازيغ والعرب والأندلسيين والفرنسيين ممن حولوا باب الواد من مجرد جغرافيا إلى مزيج حضاري، وهوية فريدة تنبض بالحياة.
كيف ينظر سكان هذا الحي العتيق إلى انتخابات السابع عشر من أبريل؟.
بالنسبة لهؤلاء الذين كانوا السباقين إلى الثورة على المستعمر في خمسينيات القرن الماضي، والمبادرين بالانتفاضة في ثمانينيات نفس القرن، ما الذي يعنيه الموعد الانتخابي؟
هل هم فعلا مهتمون بكل الحراك السياسي الذي تتناقله وكالات الأنباء، أم أن الأمر برمته لا يعدو أن يكون مجرد حدث عابر لن يغير في حياتهم شيئا، كما لم تغير في حياتهم معظم المواعيد السابقة؟
يوسف، في عقده السادس، سائق أجرة ولد وكبر في باب الواد، يقول إنه “سيصوت لصالح بوتفليقة بغض النظر عن كل المشاكل اليومية التي يواجهها في حياته”، لأنه – كما يرى- “لا يجد أفضل منه على الساحة، فهو من أعاد الاستقرار للبلد بعد سنوات العنف، وهو المستعد لمواصلة الدرب رغم المرض ورغم تكالب المعارضين على انتقاده”.
لكن هذا الرأي لا توافق عليه ابنة حيه سليمة، الفتاة المتحجبة التي تبدو في مقتبل شبابها. سليمة تعتبر نفسها من “الجيل الجديد الذي يريد التغيير وتسليم مشعل السلطة لنخبة شابة قادرة على إيجاد الحلول لقضايا المجتمع المستعصية”، لكنها في الوقت ذاته “لم تقرر” بعد لمن ستمنح صوتها في الانتخابات.
في المقابل، يبدي سمير، وهو طالب جامعي يدرس الاقتصاد خوفا واضحا من السيناريوهات التي قد يفضي إليها الاقتراع. فهو يؤكد أن الاحتقان المتزايد على الساحة السياسية يمكن أن يدفع إلى مواجهة مفتوحة لن تحمد عقباها.
إلا أن صديقه عبد السلام -الذي يرتشف إلى جانبه قهوة إسبريسو في مقهى البهجة الشعبي- يستبعد احتمال التصعيد ويقول: “لن يحدث شيء على الإطلاق. ستمضي الانتخابات وسيبقى كل شيء على ما هو عليه. لقد تعودنا أن نكون – نحن الشعب- هو الخاسر الوحيد سواء انتفضنا أو اخترنا الصمت. ما الفائدة من كل هذا الجدل؟”.
وبين كل هذه الآراء والمواقف، هناك العشرات ممن يمضون لقضاء حاجياتهم دون اكتراث بالحدث. وهناك أيضاً من يجدون لذة خاصة في تبادل أخبار الشائعات والمعلومات “الموثوق بها” – حسب رأيهم- دون الكشف عن مصادر محددة تظهر صدقية ما يروجونه.
فهذا يقول: “إن جماعة المرشح بن فليس تخطط للعصيان المدني بعد الإعلان عن فوز محتمل لبوتفليقة”. وآخر يهمس وكأنه يكشف عن معلومة خطيرة: “إن الجيش يعد لوقف الانتخابات والدعوة إلى مرحلة انتقالية تفاديا للفوضى”..
وثالث يصرح بأن “اتصالات جرت مع الرئيس السابق اليامين زروال وشخصيات أخرى لملء فراغ قد تعيشه الجزائر قريبا”. أما رابع فيؤكد أن هناك اتفاقا بين بوتفليقة و”صناع القرار” لتنظيم انتقال سلس للسلطة بعد الإعلان عن فوز الأخير في استحقاق الخميس المقبل. وخامس لا يستبعد “أن تشهد الجزائر لأول مرة جولة ثانية من الأقتراع بين بوتفليقة وبن فليس”.
هذه السيناريوهات والآراء جميعها ربما تكون أول وأكبر مفاجأة من نوعها في تاريخ الاستحقاقات الرئاسية الجزائرية. فلم يحدث أبدا أن شهدت الجزائر زخما وجدلا وصراعا سياسيا بهذه الحدة. ولم يحدث أن ترشح رئيس من خلال وكلاء. ولم يحدث أن طرد ممثل مرشح في السلطة من مهرجان انتخابي. ولم يحدث أن هدد مرشح معارض بالدفاع عن حقه إذا زورت النتائج. ولم يحدث أن تجادل متحاورون على شاشة التلفزيون بشأن دور المخابرات في الحياة السياسية.
كل هذا الذي يحدث اليوم في الجزائر جديد تماماً، والصمت الانتخابي الذي أعلن عنه رسميا بعد إسدال الستار عن الحملات الدعائية يرافقه ضجيج سياسي غير مسبوق، وهذا وحده مؤشر واضح على أن ما سيحدث بعد السابع عشر من أبريل في الجزائر لا يمكن أن تتنبأ به أفضل قارئة كف في باب الواد . ومن يدري، فربما كانت الشائعات بدورها مجرد سلاح انتخابي يخدم فريقا بعينه في هذا الموعد الهام.