قلم الإرادة

الكويت ومواجهة الكوارث البيئية

تعتبر الكوارث البيئية كـالسيول والفيضانات وغيرها من الكوارث من أخطر الأزمات التى يمكن أن تواجهها الدول، نظرا لم تحمله من دمار وأوبئة وخسائر بشرية ومادية قد تفوق فى بعض الأحيان خسائر الحروب، وتعتبر الكويت نظراً لموقعها الجغرافي الساحلي ذو الظهير الصحراوي من البيئات العرضة للكوارث البيئية.

وتاريخيا يمكن القول أن بداية اهتمام حكام وشعب الكويت بمواجهة الأخطار البيئية قد بدأ فى مرحلة مبكرة من التاريخ الحديث، فقد أعطي أهل الكويت النظافة حقها فى مسكن وملبس ومأكل، لذا فالأمراض الفتاكة التى كانت منتشرة فى الخليج كـالكوليرا والطاعون وغيرها لم يكن لها وجود فى الكويت، لهذا لما حدث الطاعون عام 1831م جعلوا لحدوثه تاريخا وبعده، ولم يحدث وباء يذكر بعد ذلك سوى الإنفلونزا العامة آخر عام 1918.

فقد كانت الكويت تتمتع بسمعة طيبة، وخلوها من الأمراض والأوبئة، ففي عام 1790 قام السيد “هارفورد جونز Harford Jones” أحد أعضاء الوكالة التجارية الانجليزية بالبصرة بالاستقرار فى الكويت من أجل الاستجمام بعد أن ألم به مرض بالبصرة.

ويصف الكولونيل “لويس بيلي Louis Bailey” مدينة الكويت فى تقريره عام 1865: “بأنها صحية للغاية، ولا تكاد تعرف حتي أمراض التهاب العيون الشائعة فى منطقة الخليج على مدار السنة، ولم تعرف الكويت مرض الجدري منذ آن بعيد”.
وخلال زيارة الرحالة الأمريكي “لوشر Lucher ” للكويت عام 1868م سجل إعجابه بنظافتها الملحوظة: “إن الفرق بين الكويت، وغيرها من المدن، جلي واضح فى تميزها بالنظافة، فهي مدينة عربية فائقة النظافة.

وفي عام 1870 رفع قنصل هولندا فى بوشهر تقرير إلى حكومته عن الكويت، وذكر فى التقرير “الكويت مدينة تطالعك نظافتها ويسكنها حوالي ثلاثين ألف نسمة”.

وقد حرص حكام الكويت منذ عهد سمو الشيخ “مبارك الصباح” (1896-1915) على تطوير البنية التحتية لمواجهة الكوارث البيئية، وعبر المبشر الأمريكي “أرثر بينيت Arthur Bennett ” عن إعجابه الشديدة بنظافة الكويت خلال زيارته لها عام 1910، فقال ” … هناك اهتمام، وعناية بنظافة المدينة، التى تعتبر كما رأيتها من أنظف مدن الخليج، فالبيوت مبنية على منحدرات من الحصي والرمل، ونظافة الأزقة تجعل المرء لا يندهش عندما يعرف أنه لا توجد ملاريا هنا، كما أن الأمراض الأخرى نادرة أيضاً”.

وتصف الدكتورة “إليانور كالفرلي Eleanor Calverley ” أول طبيبة عملت فى الكويت عام 1912 الكويت بأنه مكانا نظيفاً وصحياً بالنسبة إلى الجوار، فتقول : ” الكويت بلد متميز صحيا إذا ما قورن بالبلدان المجاورة فلم تعرف الكويت الملاريا والتيفوس المنتشرة فى غيرها، اللهم إلا حالات مقتصرة على قادمين من خارج الكويت، كما أن لم تعرف أي حالة من حالات الطاعون أو الكوليرا -حسب علمي- علماً بأن الإصابة بهذه الأمراض كانت شائعة فى الموانى الأخرى بالخليج”.
وقد حرص حكام الكويت على إقامة بنية تحتية سليمة، فقد بلغت خدمات المرافق العامة كـالطرق- والصرف الصحي وغيرها من المرافق التى أقيمت فى ضوء مخطط متكامل تم إعداده فى مرحلة مبكرة ترجع إلى عام 1952 فى الكويت مستوي يماثل ما هو سائد فى معظم دول العالم المتقدم، حيث شكل الإنفاق على هذه الخدمات جانباً كبيراً من مجمل الإنفاق العام الذي استهدف عبر السنوات الطويلة الماضية تحديث واستكمال وصيانة عناصر البنية الأساسية، وإضفاء الرونق الجمالي والحضاري على مشروعات البنية الأساسية.

ظهر هذا التخطيط والتنظيم بشكل فعال لمواجهة الكوارث البيئية عقب تحرير الكويت عام 1991، فقد أسفر الاحتلال العراقي للكويت عن وقوع واحده من أكبر الكوارث البيئية التى ارتكبت فى حق الإنسانية، فأدي إلى إتلاف الطرق والجسور الذي أحدثه مرور العربات المجنزرة، وتخريب وإفساد الغطاء النباتي، وإشعال آبار النفط الكويتية وإسالة ملايين الأطنان على اليابسة، وفي مياه الخليج، وقد أدي ذلك إلى تلويث مياه الخليج ببقع نفطية عائمة ذات تأثير قاتل على الأحياء المائية، وتلويث هواء الكويت بسحب كثيفة من الدخان، وغير ذلك الكثير من الجرائم والكوارث البيئية التى ارتكبها الاحتلال العراق للكويت، وقد قدرت تكلفة إصلاح الهياكل الأساسية وخسائر القطاعات المختلفة بنحو (60) مليار دولار.

وبالرغم مما كانت تعاني منه الكويت على الصعيد الاقتصادي بسبب الحرب، فإن أمير الكويت سمو الشيخ “جابر الأحمد الصباح” أصدر تعليماته بضرورة إعادة إصلاح قطاعات البنية التحتية، والتخلص من الآثار البيئية المدمرة، واستعادة الكويت لرونقها الجمالي فى أسرع وقت ممكن، وبهذه الجهود تمكنت الحكومة الكويتية من أن تعيد الأمور فى الكويت إلى نصابها فى زمن قياسي استلفت أنظار العالم أجمع.
واستطاعت الكويت حكومة وشعبا تجاوز آثار العدوان بتجديد البنية التحتية بالكامل، ولم يمض عام 1991م إلا وكانت الكويت قد استردت عافيتها، وجاء العام التالي ليشهد إعادة تأهيل مرافقها المختلفة.

وخلال عهد سمو الأمير “صباح الأحمد الصباح” تشهد البنية التحتية تطوراً مستمراً، إذ تقوم الحكومة الكويتية بشكل مستمر بعمليات توسعة وصيانة دورية للبنية التحتية للكويت، ويظهر هذا المجهود واضحاً اليوم من خلال الأمطار الغزيرة التى تشهدها الكويت، فقد تمكنت شبكات الصرف من استيعاب تلك الكميات الكبيرة من الأمطار، وإذ ما قارنا ذلك ببعض الدول فإن تلك الأمطار لو سقطت على بعض المدن من الممكن أن تدمر البنية التحتية وتوقف الحياة فيها، إلا أن الإدارة الحكيمة للحكومة الكويتية ، وإدراكها لأهمية الاهتمام بالبنية التحتية، جعل من الكويت دولة مؤهلة لمواجهة الكوارث الطبيعية بكافة أشكالها.

 

**

 

شباب بن عبد الله بن نحو – كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى