قلم الإرادة

نظرة على الخريف العربي (1)

إن نظرة خاطفة إلى الشعارات التي رفعت في هذه (الثورات) نجدها خالية من أي رؤى أو أهداف ستراتيجية بعيدة المدى بل إن كل همها كان (الشعب يريد إسقاط النظام) دون أن يعلمونا أي نظام هم يريدون لاحقاً أو أي نظام يخططون لإقامته، قد يرجع البعض سبب عدم تحديد الرؤى وشكل النظام القادم إلى عفوية تلك (الثورات) وعدم وجود أحزاب سياسية أو ايديولوجية خاصة بها.

بعد هروب ابن علي من تونس كان حديث الساعة في الدواوين ومع بعض الأصدقاء. كان النقاش مثيراً ويتمحور حول الحقوق التي يجب على الدولة توفيرها للشعب، ثم تطور النقاش وسأل أحدهم: متى ينبغي للشعب أن يسقط النظام؟ ما الحد من الانتهاكات والظلم الذي إذا وصل إليه النظام صار من حقنا إزاحته؟ لأول مرة بدأ شباب عادي في كافة دولنا يسأل أسئلة مشابهة.

لقد كان هذا هو الإنجاز الأكبر للربيع العربي: ثورة العقول.

فقبل 2011 كان المتحدثون عن تغيير الأنظمة وإسقاطها وعن عدم شرعيتها قلة قليلة، وعاش دعاة تغيير الأنظمة غربة استمرت لسنوات طويلة قبل هذا العام الثوري العجيب، فجأة وفي غمضة عين صار المنادون بإسقاط النظام ملايين من البشر تدفقوا على شوارع تونس وليبيا ومصر وسورية واليمن وهي الدول التي كانت مركز الزلزال، في عام واحد تحقق ما كان يدعو له قلة قليلة من البشر لأعوام طويلة مضت منهم من سجن ومنهم من نفي ومنهم من قتل ومنهم من التزم الصمت.
سنوات طويلة كان فيها السجن والمنفى نصيب راشد الغنوشي ومنصف المرزوقي، ففاز حزب راشد الغنوشي بأغلبية أصوات التونسيين و منصف المرزوقي رئيساً للجمهورية التونسية الجديدة. وفي أواخر يناير 2011 اعتقلت قوات مبارك د. محمد الكتاتني، والكتاتني انتخب رئيساً لأول برلمان مصري بعد الثورة.

سنوات طويلة كان أغلب الناس يتحدثون عن “إصلاحات” معينة “يكرمهم” النظام السياسي بها، ولم يكن أحد يستمع لمن يقول: أصلا ما شرعية هذا النظام!؟ وسنة واحدة فقط أدت لأن يسأل المواطن العربي نفسه هذا السؤال “من هؤلاء أصلاً كي يحكموني؟ متى اخترناهم؟ ولماذا نحن الكثرة تستعبدنا هذه القلة؟” سنة واحدة خرج فيها زين العابدين بن علي بوعود إصلاحية فيزداد هيجان الشارع ضد شرعيته الزائفة، ويخطب حسني مبارك خطبًا إصلاحية فترتفع الأحذية بوجهه في ميدان التحرير، ويكرر علي عبد الله صالح وعوده فيواجه مزيدًا من الحشود في ساحات اليمن تهتف كلها قائلة “ارحل”، وكذلك فعل القذافي وابنه سيف الإسلام فما كان من الثورة إلا أن ازدادت زخمًا ضدهما ويخطب الاسد خطابا تلو الاخر ويعد بإصلاحات وتغير ويزيد بقتل الأطفال والعجز ويبقى الشارع الحر السوري رافعاً يده ويقول الموت ولا الذل يا جزار الحرية فجأة وفي سنة واحدة تحولت كثير من الجماهير من مطالبة بالإصلاح إلى رافضة له، ليس فقط لغياب الثقة في حكوماتهم وليس فقط لإدراكهم بأن هذه الإصلاحات تستعمل وسيلة لكسب مزيد من الشرعية لهذه الأنظمة، وإنما أيضاً لإدراكهم أن أحلامهم أكبر وأنهم يستحقون ما هو أفضل!

 

**

سامي بن أورنس الشعلان – كاتب في صحيفة الإرادة الإلكترونية
‏Twitter: ‪@soalshalan ‬
‏
‏Email: sshalan@alerada.net

مقالات ذات صلة